ما يزال الارتباك سيد الموقف داخل تنظيم الإخوان في تركيا، بسبب التطورات والتغيرات التي تشهدها العلاقات الدولية بين أنقرة وبعض دول المنطقة ومن ضمنها مصر.
ولعل ما يدل على هذا الارتباك هو كثرة الاجتماعات التي عقدها التنظيم الدولي للإخوان على مدار الأيام الماضية لمناقشة السيناريوهات المحتملة ما بعد التقارب المصري التركي ومصير التنظيم في ظل التضييق الأمني على القيادات المصرية المتواجدين في إسطنبول.
وعلمت "سكاي نيوز عربية" من مصادر قريبة من التنظيم، مقيمة في تركيا أن القائم بأعمال المرشد العام للجماعة إبرهيم منير، طرح خلال أحد الاجتماعات قرارا بحل لجنة إدارة الجماعة في إسطنبول، التي يترأسها القيادي الإخواني حلمي الجزار، مما أثار غضب قطاع كبير من قيادات الجماعة التاريخية، مؤكدًا أنهم أجروا عدة اتصالات خلال الساعات الماضية مع قيادات داخل مصر وخارجها لإقناعهم بإصدار بيان موحد بعزل منير، كخطوة استباقية قبيل إعلان قرار حل اللجنة بشكل رسمي.
وتشير المصادر إلى الخلاف القديم بين اللجنة التي تضم في عضويتها محمود حسين الأمين العام السابق للتنظيم، الذي ألغى منير منصبه في سبتمبر الماضي بعد أن أعلن نفسه مرشداً للجماعة عقب القبض على محمود عزت من جانب السلطات المصرية.
وترجح المصادر أن تعلن اللجنة من خلال بيان إعلامي موقفها الرافض لقرارات منير، فيما تتخذ إجراءات لترتيب قرار عزله والإعلان عنه.
ويقول مصطفى أمين، الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب، إن حالة من الغضب الكبير تسيطر على قيادات الجماعة وأعضائها بسبب قرارات المرشد العام إبراهيم منير، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة تحركات تصعيدية ضده قد تصل بالفعل إلى عزله، باعتباره تسبب في أزمات كبيرة للتنظيم ولم ينجح في حسم أي من الملفات العالقة، كما أنه أساء التصرف إلى حد كبير ردا على التقارب المصري التركي، بسبب تصريحاته المتناقضة في حواره مع إحدى القنوات.
انشقاقات وتصدعات
وأكد أمين أن الجماعة تعيش في الوقت الحالي أزمة داخلية عاصفة سوف ينتج عليها انشقاقات داخلية وتصدعات، بعد أن كشفت قرارات الجانب التركي مدى خداع الجماعة لأعضائها برسم صورة غير حقيقية عن طبيعة الدعم التركي الذي سرعان ما تلاشى نهائيا بعد أن أدرك الرئيس رجب طيب أردوغان مدى الخطر الذي يمثله التنظيم على مستقبله السياسي وعلاقات بلاده مع محيطها الإقليمي، وهو ما يعكس سوء إدارة القيادات التنظيمية لهذا الملف.
وحول موقف التنظيم في مصر، يقول "أمين" إنه "مشلول حركيا" ويعاني بشكل كبير منذ سقوط الجماعة عام 2013 وما تبعها من إجراءات بحظر نشاطها وملاحقة أعضائها في مصر وعدة دول، مؤكداً أن الإجراءات الأخيرة من جانب تركيا تجاه مصر تكشف أن الجماعة لم تكن سوى أداة وظيفية استخدمتها أنقرة لتنفيذ مهام محددة ثم تخلت عنها، وهو ما يضع قياداتها في موقف حرج أمام الأعضاء، وتكشف زيف ادعاءاتهم.
وأوضح "أمين" أن التنظيم الدولي للإخوان لم يكن لديه تصور واضح عن التطورات الأخيرة لعلاقات مصر وتركيا، و لم يتمكن من استشراف الوضع الجديد في ظل تقلبات المشهد على المستوي الدولي والإقليمي، ووضعه حاليا أقرب لحالة الشلل التام.
ويقول الكاتب المصري أحمد عاطف، رئيس تحرير موقع أمان المتخصص في الإسلام السياسي، إن معلومات تواردت عن اجتماع بين إخوان لندن وإخوان إسطنبول على إثر الأزمة الأخيرة بمحاولات تركيا استرضاء مصر وإعادة علاقاتها معها، لافتاً أن الاجتماع شهد أزمات واختلاف بين الجانبين خاصة أن إخوان تركيا رفضوا ما قاله ابراهيم منير الفترة الأخيرة فيما يخص المصالحة مع مصر بتوسيط أنقرة لحلحلة الأزمة.
وأضاف عاطف لـ"سكاي نيوز عربية" أن موجة جديدة من التمرد والانشقاق ضد إبراهيم منير من قبل شباب الإخوان وخاصة العاملين فى القنوات الخاصة بالجماعة.
كما أشار عاطف إلى أن الجماعة تحاول تحويل قنواتها إلى منصات يوتيوب فقط، لا سيما أن تشديدات من لندن بعدم قبول عناصر إخوانية خاصة فى ظل أزمة كورونا والإغلاق هناك.
أزمة "تاريخية"
من جهته، يرى الكاتب الصحفي المتخصص بالإسلام السياسي، شيار خليل، أن الجماعة تمر بأزمة "تاريخية"، سوف ينتج عنها تصدعات كبرى داخل التنظيم، لأنها خسرت الحليف الأقوى لها وهو تركيا، بالإضافة إلى أنها تواجه تضييقات كبيرة وحصارا لأنشطتها في عدة دول أوروبية في إطار الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة الإرهاب والتطرف.
وأضاف: "مما يعني أن الجماعة تواجه نهايتها خاصة ما لم تجد ملاذات جديدة آمنة يمكنها من خلالها إحياء نشاطها، وهو الأمر الذي لم تتضح ملامحه بعد".
ويقول خليل لـ"سكاي نيوز عربية" إن التنظيم الدولي لم يكن طرفا في المفاوضات ولم يتواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو أي مسؤول تركي مع قياداته بشأن التطورات الأخيرة، مما دفع القيادي إبراهيم منير للظهور على قنوات إعلامية بعد إعلان الإجراءات التركية بشأن إعلام الإخوان، والقول إن "مصر تعتبر تركيا عدوا وليس حليفا"، وإن "الإخوان هو الحليف الأقرب للقرار التركي"، في محاولة منه للتذكير بالخلافات بين البلدين وحث تركيا على التراجع.