طالبت أكثر من سبعين منظمة ناشطة في مجال الدفاع عن الحريات و حقوق الإنسان في تونس، رئيس الجهمورية بإصدار عفو خاص على الموقوفين على خلفية الاحتجاجات منذ شهر يناير الماضي، كما تجمع عدد من المحتجين، مؤخرا، في الشارع الرئيسي للعاصمة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين.
وأكد كاتب عام المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، منذر الشارني، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن أكثر من 2000 شخصا، من بينهم أطفال دون 15 سنة يقبعون في السجون بسبب مشاركتهم في الحراك الاجتماعي، خلال يناير وديسمبر الماضيين.
وأوضح أنه من بين الموقوفين أطفال حوكموا بعام ونصف العام من السجن بسبب سرقة علبة بسكويت، "وهو أمر مخجل في تونس التي تتبنى مجلة لحقوق الطفل تمنع سجن الأطفال قبل سن 15 سنة"، كما وصف الشارني الأحكام الصادرة بحق الأطفال بالقاسية والغريبة.
وأوضح الكاتب العام لمنظمة مناهضة التعذيب، أن الاحتجاجات الاجتماعية جاءت ردا على تردي الخدمات الصحية و التعليمية، غير أن السلطات قابلتها بعنف مبالغ فيه.
ودعا إلى تحرير الفضاء العام و التحاور مع الشباب الذي أصبح يسمي نفسه بـ "الجيل الخطأ"، تعبيرا عن خيبة أملهم في السلطة التي تعجز عن التفاعل معهم وإيجاد الحلول.
ووصف الناشط تعامل السلطة مع المحتجين بـ"حملات القمع"، قائلا إنها رسالة تحذير و تخويف للمجتمع حتى لا ينتفض أو يعارض قرارات الحكومة التي ستتجه إلى إجراءات اقتصادية قاسية، في الأشهر المقبلة.
وأضاف أن النظام الحالي بقيادة حركة النهضة يطبق نفس أساليب حكم بن علي فيما يوظف أذرع بن علي مستشارين له، في إشارة لمستشار رئيس البرلمان راشد الغنوشي محمد الغرياني وهو آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري المنحل، وقال "حتى أن التهم ما زالت تلفق للمعارضين بنفس الأساليب ".
من جانبها، ترى الناشطة وأستاذة علم الاجتماع، نجاة العرعاوي، أن حرية الفكر والتعبير والاختلاف مكفولة بموجب الدستور، وما على الحكومة التونسية إلا ملاءمة القوانين لتكفل الحريات والحقوق للمواطن كما يحظى بها السياسيون، فتكييف القوانين اليوم لضرب الاحتجاجات يشكل آلة قمع جديدة لتوجيه الرأي العام والتحكم في الشارع.
"اعتقال سياسي"
وقالت العرعاري، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، إن المنظمات وقعت على مطلب العفو العام و توجهت به لرئيس الجمهورية قيس سعيد، لقناعة منهم أن الاعتقالات سببها سياسي، و لن تحل إلا في إطار قرار سياسي بالعفو عن الشباب الذين اعتقلوا بسبب الحراك وإخراجهم من السجون.
وبخصوص ما بات يعرف بـ"انتفاضة الشباب"، اعتبرت الناشطة أنها ردة فعل طبيعية تجاه سياسات السنوات العشر الأخيرة و التراجع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه تونس، و"كان من المفروض ألا تجابه بالقمع بعد الثورة، غير أن حركة النهضة تحاول إعادة تاريخ الديكتاتورية نفسه".
وأضافت العرعاري، أن حركة النهضة تعمل على استنزاف قوى المجتمع المدني بتنويع المعارك و كثرة الانتهاكات لحقوق الإنسان ودعم قوى الجذب إلى الوراء" وفق تعبيرها.
ودعت أستاذة علم الاجتماع إلى ضروة تغيير السياسيات العمومية لتلائم انتظارات الشارع والشباب الذي يحس بالظلم في تونس، حتى أننا لا نستطيع أن نفهم ماذا يمكن أن تستفيد المؤسسة الأمنية بسجن الأطفال ووصمهم في المجتمع، في ظل منظومة حكم لا تنصف الصغار وتفرز آلاف المنقطعين عن الدراسة.
ويدعو المحامي ياسين عزازة بدوره إلى مراجعة هذه المنظومة، مشيرا إلى شعارات شباب الحراك الذين يتطوع للدفاع عن عدد منهم، حيث رفعو شعار "ساقطة هذه المنظومة من الحاكم إلى الحكومة"، وهو شعار وجب الانتباه إليه حسب المحامي الذي وصف المنظومة القانونية الحالية التي حاكمت الشباب بـ"الاستبدادية".
وأردف أن نصوص المجلة الجزائية لم تعدل منذ 1918، وهو قانون قد يدخل تحت طائلته أي مواطن يتعامل مع عون أمن و يكيف للانتقام من أصحاب الرأي المخالف.
وأكد عزازة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن حركة النهضة تعمل على الاستفادة من المنظومة الاستبدادية القديمة والقوانين غير المتجانسة مع الدستور في سياسة ممنهجة لضرب الحريات.
والجدير بالذكر أن رئيس الجمهورية قيس سعيد تعهد في العشرين من مارس الجاري بإصدار عفو عن الموقوفين على خلفية الاحتجاجات، بعد صدور أحكام نهائية في شأنهم واستكمال أطوار التقاضي.