لا تزال أزمة سد النهضة الإثيوبي تراوح مكانها، رغم ما حظيت به من زخم واسع خلال السنوات الماضية وجولات متصلة من المفاوضات لم تصل بالأطراف الثلاثة إلى بر الأمان، وسط تصاعد المخاوف من أي خطوات أحادية من شأنها إلحاق الضرر بدولتي المصب مصر والسودان.
وفي الوقت الذي تتمسك فيه إثيوبيا بالملء الثاني دون تنسيق مع مصر والسودان، رغم تعهدها بعدم الإضرار بالبلدين، ومع تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، التي أكد فيها على أن الملء الثاني سيكون في موعده في يوليو المقبل، تثار مخاوف واسعة بشأن حجم الأضرار التي تعود على دولتي المصب، حال الملء الثاني دون تنسيق، سواء لحجم العجز في كميات المياه بمصر والسودان، وتأثير ذلك على محطات مياه الشرب والسدود بشكل خاص في السودان.
ويعتبر السودان الأكثر تضررا، بصورة أكبر من مصر، من تداعيات الملء الثاني، وهو ما ظهر بشكل واضح خلال العام الماضي.
ويأتي ذلك في الوقت الذي لا يزال فيه الغموض مسيطرا على مسار المفاوضات بين الدول الثلاث، بعد اقتراح السودان تدخل رباعية دولية في المفاوضات، وتأييد مصر لذلك المقترح، بينما يرفض الجانب الإثيوبي ذلك ويصر على العمل تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، الذي لم ينجح منذ تدخله في ملف الأزمة منذ منتصف العام الماضي في التوصل لحل توافقي بين الدول الثلاث.
13.5 مليار متر مكعب
ويرصد خبير المياه بالقاهرة، الدكتور نادر نور الدين، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، التداعيات المحتملة في حال الملء الثاني لخزان السد، دون تنسيق بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وأشار إلى أن "الملء الثاني سيكون 13.5 مليار متر مكعب من المياه، ومن ثم يكون الإجمالي في حدود 18.5 مليار مكعب، بعد إضافة الخمسة مليارات العام الماضي".
وأوضح أن "هذه الكمية تعتبر كبيرة، وينبغي على مصر والسودان التنسيق قبل البدء في حجزها هذا العام، لما لذلك من تداعيات، من بينها توقف محطات مياه الشرب شرقي السودان".
وتابع: "كذلك الأمر فيما يتعلق بسدي الروصيرص وسنار الخاصين بتوليد الكهرباء في السودان، اللذين من المتوقع أن يتوقفوا عن العمل نتيجة عدم وجود مياه كافية في النهر، وبالتالي لا بد من أن يكون هناك تنسيق بين مصر والسودان بشأن كيفية حجز هذه الكمية الكبيرة من المياه؛ حتى لا تتعطل محطات مياه الشرب ومحطات توليد الكهرباء في شرق السودان، بالإضافة أيضا إلى السد العالي بمصر".
واعتبر نورد الدين أن "الأمر يتوقف أيضا على المدة الزمنية التي سيتم خلالها حجز المياه، سواء لمدة شهر أو شهرين أو على عدة أشهر طوال شهور الفيضان الأربعة"، مشددا على أن "إثيوبيا مصممة على التصرف وحدها دون التنسيق مع الدولتين، ومن هنا فإن الكمية التي سيتم حجزها، المقدرة بـ 13.5 مليار مكعب ستكون مؤثرة، وهي ما يعادل ري 3 ملايين فدان".
ويعتبر السودان الأكثر تضررا حال إقدام إثيوبيا على الملء الثاني لخزان سد النهضة، وهو ما أكده نور الدين في معرض تصريحاته، التي لفت خلالها إلى مدى تأثر السودان في العام الماضي، وتوقف محطات مياه الشرب لأكثر من 3 أسابيع، قبل أن يتم إطلاق مياه الفيضان التي غمرت الأراضي والبيوت وجرفت الحقول في الشهرين التاليين.
وتابع: "بالتالي فإن السودان المتضرر الأول، ثم مصر التي تتأثر قطعا بنقص كمية المياه، فلو كانت الكمية 13.5 مليار متر مكعب، سيكون نصيب مصر من النقص 9 مليارات متر مكعب تقريبا، أي ما يعادل ري 2 مليون فدان".
كميات العجز
وبدوره، يقول خبير المياه مستشار وزير الري المصري الأسبق، ضياء الدين القوصي، إن النقص المحتمل أن تتكبده مصر يصل إلى 7 مليار متر مكعب، وكذلك السودان.
وفسر ذلك في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، بقوله: "الملء الثاني هو لكمية 13.5 مليار متر مكعب، وحسب اتفاقية العام 1959 فإن أي عجز تتحمله مصر والسودان مناصفة، وبالتالي يفقد كل منهما نحو 7 مليارات متر مكعب".
وتحدد اتفاقية عام 1959 (اتفاقية تقاسم مياه النيل التي وقعت في العاصمة المصرية)، حصة كل من مصر والسودان في مياه النيل، تحصل مصر بمجوبها سنويا على 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.
وتابع القوصي قائلا: "يُتوقع حال إقدام إثيوبيا على الملء الثاني، أن تتراجع حصة مصر إلى نحو 48 مليار متر مكعب تقريبا، فيما تتراجع حصة السودان إلى نحو 11 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن السودان يعتبر الأكثر تضررا".
وأضاف: "مع ذلك، لا يمكن إنكار تأثير وتضرر مصر كذلك، ومن ثم أتصور أن البلدين ربما يتجهان إلى بدائل غير مرنة، إذا أصرت إثيوبيا على موقفها".
وحول ما إن كان الناس في مصر قد يشعرون بتأثير فقدان تلك الكميات بشكل مباشر ومحسوس من عدمه، قال إن الأمر متوقف على مخزون السد العالي.
واختتم حديثه بالقول: "لكن الفكرة الأساسية هو أن لمصر الحق، وطالما معها الحق في موقفها فلا يمكن التخلي عن ذلك الحق وانتظار النتائج".