لا تزال واقعة اعتداء نائب عن حركة النهضة "جسديا" على نائبة الحزب الدستوري الحر تحت قبة البرلمان، تثير الجدل في تونس، وسط مطالبات بمحاسبة المخطئ، بل ومسيرات تدعو لحل البرلمان.

وتتواصل الصراعات داخل مجلس نواب الشعب في تونس بأوجه مختلفة، فبعد الشتائم وتبادل التهم والعنف اللفظي وقطع الجلسات، شهد البرلمان من جديد حادثة خطيرة خلفت جدلا لدى الرأي العام.

فقد تهجم نائب حركة النهضة ناجي الجمل على نائبة الحزب الدستوري الحر زينب السفاري، وافتك هاتفها من يدها عندما كانت بصدد التصوير في بهو البرلمان، الخميس.

الصور "الصادمة" القادمة من مجلس نواب الشعب أعادت مطالب حل البرلمان للشارع التونسي من جديد، حيث شهد شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة السبت مسيرة تطالب بحل البرلمان، اعتراضا على مواقف رئيسه راشد الغنوشي.

كما تبنت المطالب ذاتها جهات حقوقية ونشطاء سياسيون، دعوا الرئيس قيس سعيّد إلى المرور إلى تطبيق الفصل 80 من الدستور، الذي يسمح له بفرض تدابير استثنائية لتسيير البلاد ومنها حل البرلمان.

أخبار ذات صلة

موسي تدعو لدستور تونسي جديد.. وتطالب بتحقيق عن "النهضة"
هل تطوي زيارة قيس سعيد إلى ليبيا صفحة "تدخلات الإخوان"؟

وجاءت ردود فعل نواب حركة النهضة وقياداتها أكثر غرابة من الحادثة، حيث برر الكثير منهم اعتداء النائب على زميلته تحت قبة البرلمان وأمام أنظار النواب.

فقد علقت النائبة عن كتلة حركة النهضة في البرلمان جميلة الكسيكسي على حادث العنف بين زميلها، قائلة إنه "من حق النائب ناجي الجمل افتكاك هاتف زميلته التي كانت تقوم بتصويره لمنعها من ذلك".

كما تبنى القيادي في الحركة وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي نفس الموقف، في تدوينة قال فيها إنه "يقدم كل الدعم والمساندة للنائب ناجي الجمل، الرجل العاقل الرصين، ضد الاعتداء عليه بتصويره من دون رغبته وقصد تشويهه".

اعتداء رئيس لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية في مجلس نواب الشعب، ونائب حركة النهضة ناجي الجمل على النائبة، أثار حفيظة واستنكار الناشطات في مجال حقوق النساء، حيث قالت عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أميمة جبنوني إن "العنف يستشري في البرلمان. مختلف الكتل البرلمانية بصدد التطبيع مع مختلف مظاهره".

تونس.. مناوشات بين عبير موسي وأنصار تنظيم الإخوان

وأضافت أنه "سبق لها المشاركة في اجتماع لجنة المرأة بالبرلمان لمناقشة العنف السياسي المسلط على النساء، وقد فوجئت أن الاجتماع تحول إلى مشاهد من العنف بين النائبات في اللجنة، حتى إن إحدى نائبات حركة النهضة قاطعت الجلسة بسبب مساندة الرابطة للحزب الدستوري الحر ضد العنف المسلط ضد نائباته داخل البرلمان".

وأكدت عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن "العنف داخل البرلمان يتضاعف كلما تعلق الأمر بالنائبات"، ودانت حادثة الاعتداء على نائبة شعب مهما كان انتماؤها.

وعلقت أميمة جبنوني قائلة إن "طريقة إدارة الأزمة داخل مجلس النواب لا يمكن أن تؤدي إلى حل"، منددة بموقف بعض النائبات في المجلس اللواتي بررن هجوم نائب حركة النهضة على زميلته، واعتبرنه نوعا من الدفاع عن الذات.

في السياق ذاته، عبرت حركة مشروع تونس عن تضامنها مع النائبة المعتدى عليها، ونددت بالعنف المسلط عليها من الجمل.

وقالت الحركة في بيان لها، إن "هذا الاعتداء لخص توجهات حركة النهضة المتطرفة والعنيفة، بما لا يخدم مصلحة الوطن والقوى التقدمية".

ومن جهة أخرى، اعتبرت الباحثة في النوع الاجتماعي سلمى الجلاصي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "البرلمان في تونس أصبح يرسم السياسات العنيفة. لم يمض الكثير على تاريخ الثامن من مارس اليوم العالمي للنساء، حتى طالعتنا الشاشات بحادثة اعتداء علنية داخل قبة البرلمان ظهر فيها نائب رجل من حزب حركة النهضة مدعية الرفق بالقوارير، يعتدي على زميلته النائب المرأة من حزب الدستوري الحر".

ووصفت الباحثة المشهد بـ"السريالي"، غير أنها اعتبرته متوقعا من قبل "زمرة برلمانية جاءت بها الصدفة ونظام أكبر البقايا الانتخابي".

وأضافت سلمى الجلاصي أن "العنف داخل البرلمان التونسي لم يعد حوادث معزولة، بل صار نهجا في التعامل سنته حركة النهضة وربيبها ائتلاف الكرامة، وقد تدرج من العنف اللفظي والمعنوي حتى سالت الدماء منذ أسابيع بين أروقة هذا البرلمان، وأخير رأينا نائبا يعتدي زميلته في أقصى درجات امتهان الذات الإنسانية، وهو اعتداء واضح يشمل السياق السياسي ناخبين ومنتخبين ومسيرين، ويصنع مظلات لتبرير عنف الشارع وعنف الشرطة ومختلف السلط".

تونس. نواب يطرحون عريضة لسحب الثقة من الغنوشي

كما رأت الباحثة في حادث الاعتداء "محاولات عنيفة لإقصاء النساء من الشأن العام، بترهيبهن وسجنهن".

وأوضحت النائبة عن الحزب الدستوري الحر سميرة السايح في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الاعتداء على زينب السفاري جاء في إطار حملة ممنهجة ومخطط لها، للتهجم على نائبات الحزب الدستوري الحر، فبعد منع رئيسة الحزب عبير موسي من دخول مكتب مجلس النواب بتأويل بعض فصول النظام الداخلي حتى تعطي لرئيس المجلس راشد الغنوشي مطلق الصلاحيات في أخذ إجراءات سير الجلسة ما مكنه من منع عبير موسي من حضور اجتماع مكتب المجلس، وأثناء محاولتها توثيق ما يجري من خلال تقنية البث المباشر لكشف ما يجري أمام الرأي العام، تعرض لها نائب حركة النهضة لمنعها من التصوير".

وتضيف: "في الوقت ذاته، اكتشف (الجمل) أن النائبة زينب السفاري بصدد التصوير وتوثيق الحادثة فتصرف بشكل انفعالي وقام بافتكاك هاتفها ودفعها"، مؤكدة أن زميلتها تعيش حالة نفسية سيئة من جراء ما تعرضت له من اعتداء مادي ومعنوي.

وأضافت سميرة السايح أن "الموقف السياسي لحزبها كان العمل على كشف السلوك العنيف لنواب النهضة أمام الرأي العام، في انتظار موقف قانوني ينصف النائبة زينب السفاري".