في انتصار دبلوماسي جديد، قررت جمهورية سورينام، قبل أيام، أن تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، وذلك من خلالها قرارها القاضي بفتح سفارة بالعاصمة الرباط وقنصلية بمدينة الداخلة من أجل الدفع بالعلاقات الثنائية والتعاون مع المغرب، ليبلغ عدد التمثيليات الدبلوماسية المفتوحة بمدن الصحراء المغربية نحو العشرين تمثيلية.
وكانت الشراكة بين البلدين قد شهدت تطورا ملحوظا منذ العام 2004، بحسب ما أعرب عنه وزير خارجية سورينام، ألبير رمدين، عقب استقباله من طرف نظيره المغربي، ناصر بوريطة، الخميس الماضي، حيث تم في الوقت نفسه توقيع خارطة طريق للتعاون المغربي السورينامي المشترك خلال الفترة الممتدة ما بين 2021 و2024.
وجمهورية سورينام التي تقع ضمن أميركا الجنوبية، والتي كانت قد جددت موقفها الداعم للوحدة الترابية المغربية عام 2016، هي أيضا تعتبر إضافة إلى الدول التي تنتمي إلى جنوب القارة الأميركية، والتي بدأ يتزايد أعداد المعترفين منها بمغربية الصحراء، والتراجع عن دعم أطروحة الانفصال، خلال السنوات الأخيرة.
توافق سياسي
يقول محسن منجيد، الباحث المهتم بالعلاقات بين المغرب ودول أميركا اللاتينية، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن تتبع الممارسة الدبلوماسية المغربية اتجاه دول أميركا اللاتينية يُظهر أنها "تنهج أسلوب التأثير من أجل بلوغ أهدافها"، موضحا أن ذلك التأثير يتجلى في امتلاك المغرب لـ"دبلوماسية نشيطة لاستقطاب النخب السياسية في أميركا اللاتينية"، ومشيرا إلى أهمية النشاط الذي تقوم به الدبلوماسية المغربية باعتبارها "الأكثر احترافية في الإدارة المركزية والسفارات بأميركا اللاتينية".
وأضاف منجيد، الذي يدير مرصد أميركا اللاتينية في الرباط، ويشرف على إصدار التقرير السنوي المغربي حول أميركا اللاتينية، أن المغرب يهتم أيضا في علاقاته بدور دول أميركا اللاتينية بـ"الدبلوماسية التضامنية لكسب الصداقات"، مشيرا إلى "المساعدات الإنسانية التي يقدمها المغرب على إثر وقوع كوارث طبيعية كالزلازل والأعاصير"، ولافتا إلى الدبلوماسيتين الثقافية والرقمية، وكذلك إلى دور الوكالة المغربية للتعاون الدولي باعتبارها "الذراع التنفيذي لدبلوماسية التأثير المغربية نحو أميركا اللاتينية".
ومنذ بداية العام الماضي قررت بوليفيا أن تعلق اعترافها بالجمهورية الوهمية، كإحدى النتائج الهامة للتوجهات السياسية والدبلوماسية المغربية اتجاه الأميركيتين اللاتينية والجنوبية، فيما كان البرلمان الباراغوياني قد صادق بالإجماع على دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي، منتصف العام 2018.
مواقف سياسية للدول المختلفة من أميركا الجنوبية، مثل البرازيل، والأوروغواي، وكولومبيا، وتشيلي، والأرجنتين، والإكوادور، هذه الأخبرة التي تبادل المغرب معها زيارات رفيعة المستوى خلال العام 2019، ما انتهى بإحداث أول مجموعة للصداقة البرلمانية الإكوادورية المغربية، إضافة إلى البيرو، التي كانت من بين البلدان الأولى بالمنطقة التي سحبت الاعتراف بالجمهورية الوهمية، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى البلد الجنوب أميركي العام 2004، ضمن زيارة شملت عددا من دول القارة.
وكان المغرب قد حصل على صفة حليف موثوق وعضو ملاحظ لدى مجموعة دول الأنديز (اتحاد جمركي يضم دولا من أميركا الجنوبية)، خلال اجتماعها الرئاسي الـ20، الذي انعقد منتصف العام 2020، فضلا عن امتلاك المغرب أيضا صفة عضو ملاحظ لدى تسع منظمات إقليمية بأميركا اللاتينية ذات طبيعة برلمانية وسياسية واقتصادية.
وتقف وراء تلك النجاحات دبلوماسية مغربية نشيطة، يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، والذي كان قد أكد في خطاب له بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، في نوفمبر الماضي، أن عدد الدول التي لا تعترف بالكيان الوهمي قد بلغ 163 دولة، أي 85% من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
تعاون بين ضفتي الأطلسي
يقول محسن منجيد إن "المبادلات التجارية بين المغرب ودول أميركا اللاتينية قد عرفت ارتفاعا ملحوظا منذ تسعينات القرن الماضي"، معتبرا "البرازيل أهم شريك للمغرب في المنطقة متبوعة بالأرجنتين ثم المكسيك"، ومنبها إلى أن ثمة "تركيز شديد في بنية المنتجات المصدرة التي تتشكل أساسا من الفوسفات ومشتقاته وعلى رأسها الأسمدة، بينما تتكون الواردات من الحبوب والسكر".
وكان الملك محمد السادس قد دعا خلال مشاركة المغرب ضمن القمة الثانية للدول العربية ودول أميركا الجنوبية، هو الفضاء الدولي الذي تأسس عام 2003، إلى إيجاد آليات لبلورة مشاريع التعاون الشامل بمساهمة المؤسسات الحكومية، والفعاليات الاقتصادية وبناء استراتيجية الشراكة العربية الجنوب أميركية، بما في ذلك إحداث معهد الدراسات والبحوث حول أميركا الجنوبية بطنجة.
وبحسب بعض التقديرات حجم التبادل التجاري بين المغرب ودول الأميركيتين اللاتينية والجنوبية ومنطقة الكاريبي، قد بلغ ما يفوق المليار دولار، خلال السنوات الأخيرة، بقيمة تتجاوز 130 مليار دولار للصادرات، و890 مليار دولار للواردات، وذلك مع كل دولة على حدة، وهي المعاملات المرشحة لأن تتضاعف خلال السنوات القادمة، خصوصا في ظل الاهتمام الذي بات يوليه المغرب للاقتصاد البحري، تزامنا مع الانكباب على تطوير بنياته التحتية والموانئ العملاقة في طنجة والداخلة.
ويؤكد الباحث إسماعيل الرزاوي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" على أن "دول أميركا اللاتينية تشكل قطبا اقتصادياً مهما وتتعاظم مكانتها في المنتظم الدولي"، منبها إلى أن المغرب قد توجه "إلى إبرام اتفاقية شراكة استراتيجية مع البرازيل لما لها من تأثير ووزن جيوسياسي كبير"، ومعتبرا أن "تجمع الميركوسور، والذي يعتبر تكتلا اقتصاديا للسوق المشتركة لدول أميركا الجنوبية، فرصة اقتصادية مهمة للمغرب".
وتقف دول الميركوسور على مشارف تفعيل اتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، الشريك الأهم للمغرب، والتي كانا قد وصلا إلى مسودة بشأنها متم العام الماضي، بعد 20عاما من التعثر.
ويؤكد الرزاوي أن "حجم التعامل الاقتصادي بين المغرب وبلدان البرازيل والمكسيك والأرجنتين يتجاوز 90 في المئة مقارنة بكل بلدان أميركا، فيما يتجاوز حجم التبادل التجاري مع البرازيل وحدها 50 بالمئة من كل المبادلات والتعاون الاقتصادي مع أميركا اللاتينية"، في إشارة إلى الآفاق الواعدة للتعاون بين المغرب ودول جنوب القارة الأميركية.
أمن الساحل الإفريقي وأميركا اللاتينية
وفيما تتزايد أهمية وقوة العلاقات بين المغرب ودول أميركا اللاتينية والجنوبية ومنطقة الكاريبي، تطل قضايا التعاون الأمني برأسها، خصوصا وأن المغرب بات يحظى بأهمية كبيرة بسبب قدراته الأمنية التي تقف في وجه استفحال الإرهاب والجريمة المنظمة وتبييض الأموال بمنطقة الساحل والصحراء، وهي الأوضاع التي باتت لا تؤرق دول حوض البحر الأبض المتوسط وحسب، وإنما تهم المجتمع الدولي بأكمله، حسبما تؤكده تقارير ذات صلة.
ويشير مراقبون وخبراء أمنيون إلى أنه، وبالإضافة إلى انتشار التنظيمات الإرهابية في دول غرب إفريقيا، فإن ثمة نشاطات كثيفة لحزب الله اللبناني المدعوم من إيران، والتي تقوم على الإتجار في المخدرات وتبييض الأموال، بما في ذلك القيام بنشاطات تتصل بالشؤون المالية والأمنية لدول من جنوب القارة الأميركية، وهو ما أكدته عدة تقارير ومصادر متطابقة.
وتجدر الإشارة إلى السمعة الدولية التي يتوفر عليا المغرب على صعيد تفكيك الخلايا الإرهابية، والحيلولة دون استفحال مخاطر جرائم تبييض الأموال والإتجار بالبشر والتهريب، في ظل علاقاته المتنوعة مع دول القارة السمراء، وأسلوبه الأمني الذي يقوم على دعم الأمن العالمي، ما يرشح التعاون الأمني ليكون واحدا من أهم ملفات التعاون بين المغرب ودول جنوب القارة الأميركية.