"فصل جديد من فصول العلاقة بين الرياض والخرطوم"، هذا ما أكده وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني خالد عمر يوسف، عقب لقاء رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك والوفد المرافق له مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وأشار إلى أن العلاقات الممتدة بين البلدين "تقوم على أساس التعاون المشترك وتبادل المصالح واستقرار وأمن البلدين، واستثمار الإمكانات والمقدرات الكبيرة البشرية والمادية لهما".
تركزت المباحثات التي أجراها الوفد السوداني في الرياض، على عدة قضايا مشتركة؛ أولها مناقشة أمن البحر الأحمر والاستثمار فيه، وذلك بتحويله إلى "ساحة تنموية كبيرة"، بما يسهم أيضاً في اجتثاث جذور الإرهاب ومشاكل الفقر، طبقاً لما أعلنته وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق.
ووفق وكالة الأنباء السعودية، فقد استعرض اللقاء العلاقات السعودية - السودانية في مختلف المجالات والسبل الكفيلة بتطويرها بما فيها الجوانب التنموية والاستثمارية، إلى جانب بحث عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك.
تحولات سياسية
يقول الكاتب والمحلل السياسي السعودي، عبد الهادي السلمي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن زيارة رئيس الوزراء السوداني والوفد الوزاري المرافق له للمملكة العربية السعودية "جاءت في إطار التواصل المستمر بين البلدين، وفي ظل تحولات سياسية مرحلية هامة يمر بها السودان الشقيق".
وأفاد بأن "العلاقات السودانية السعودية ضاربة في القدم، ومتعددة الجوانب، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وكذا العلاقات السياسية التي تطورت بشكل كبير منذ استقلال السودان في العام 1956، مع إنشاء أول تمثيل دبلوماسي بين البلدين فضلاً عن التواصل التجاري والاجتماعي بين البلدين عبر البحر الأحمر، وكان للقمة العربية التي انعقدت في الخرطوم في العام 1967 نقطة دفع كبير في العلاقات السياسية ".
وأوضح السلمي أن "المملكة أسهمت في دعم مشروعات التنمية في السودان من خلال الاستثمارات والمشروعات الكبيرة التي تبنتها".
وأبدت المملكة العربية السعودية حرصاً واسعاً على دعم استقرار السودان، في ظل التحولات المفصلية التي يشهدها البلد، وقد تُرجم ذلك الحرص بخطوات عملية على أرض الواقع، من خلال مساندة المملكة للخرطوم سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، مع المستوى المتطور الذي تشهده العلاقات الثنائية بين البلدين.
واتفق البلدان مؤخراً -خلال زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الأفريقية، أحمد بن عبد العزيز القطان، للخرطوم- على مشروعات استثمارية في خمسة قطاعات رئيسية، من بينها الزراعة والبنية التحتية والتصنيع.
متغيرات
وما يزيد التنسيق السعودي- السوداني أهمية، ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات حاسمة، وهو ما تحدث بشأنه الباحث السعودي في الشأن الاستراتيجي والأمني، فواز العنزي، والذي يقول في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن ذلك التنسيق "يأتي في سياق المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وفي ضوء وجود حكومة جديدة في السودان، بعد تخلصه من شوائب الماضي".
وتحدث الاستراتيجي السعودي عن التطورات التي شهدها السودان طيلة العقود الثلاثة الماضية، والتي أفضت إلى تأخره ووضعه في وقت سابق على قائمة الدول الراعية للإرهاب، بما أثر على التنمية بشكل كبير جداً في ذلك البلد، مشيراً إلى أن "المملكة العربية السعودية تشكل العمق الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي للإقليم العربي، وبالتالي فإن هذا التنسيق يأتي في ظل العلاقات الأخوية بين الأشقاء في البلدين، لا سيما في ضوء العلاقات التاريخية بينهما، ودور السودان في الأمن القومي العربي، كبوابة جنوبية للمنطقة العربية في تقديري".
واعتبر أن "استقرار السودان يعني استقرار مصر، واستقرار مصر أيضاً يمثل استقراراً للدول العربية بأكملها"، مشدداً على أن "المملكة تقف مع أشقائها في كل مكان"، كما تقف إلى جانب السودان بجميع ما تملك من تأثير وعناصر قوة اقتصادية وسياسية وجهود دبلوماسية، لما للسعودية من دور كبير في توسيع دائرة السلام الشامل في الشرق الأوسط.
دعم اقتصادي
بالتوازي مع ذلك، تبرز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهي "علاقات قوية نأمل أن تزداد وتتحسن وتتطور من حيث نوعية التبادل التجاري، والاستفادة من الميزة التنافسية للسودان في الأراضي الزراعية، بما يخدم المنطقة كاملة"، طبقاً للخبير الاقتصادي السعودي سليمان العساف.
وقال العساف في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن العلاقات السعودية السودانية بدأت تتطور بشكل كبير منذ السبعينات، مشيراً إلى أن "حجم التبادل التجاري بين البلدين يصل إلى مليار و200 مليون دولار، ومستهدف أن يرتفع إلى ثلاثة مليارات دولار".
وتابع الخبير الاقتصادي السعودي: "السودان يتمتع بميزة عظيمة، وهي أن هناك أكثر من 200 مليون فدان، تمثل 45 بالمئة من حجم الأراضي الزراعية للزراعة، ولكن للأسف لا يستغل إلا 20 بالمئة منها".
وأوضح أن "المملكة العربية السعودية هي من أكبر الدول العربية التي تستثمر في القطاع الزراعي في السودان، وهناك ملايين الهكتارات التي تستثمرها السعودية، في زراعة الأعلاف وبعض الأغذية والقمح وغير ذلك، ويصل حجم الاستثمارات السعودية في السودان تقريباً إلى ما يقارب الـ 13 مليار دولار مرشحة للزيادة، وتدعم السعودية الاقتصاد السوداني من خلال القروض أو من خلال الصندوق الصناعي الذي يدعم مشاريع السدود والطاقة والبنية التحتية والمستشفيات وميزان المدفوعات السوداني".
سد النهضة
زيارة الوفد السوادني، الثلاثاء، إلى المملكة، جاءت في سياق حرص البلدين على تطوير التعاون المشترك، واتفاقهما على تبادل الزيارات رفيعة المستوى لاستكمال خطط المشروعات التي تم الاتفاق عليها. فيما تبدو واحدة من القضايا التي يعول السودان على السعودية فيها لإحداث الفارق، هي قضية سد النهضة.
ويُنتظر أن تقوم فيه المملكة بدورٍ أوسع في إطار دخولها على الخط بأزمة السد الأثيوبي، بعدما أعلنت مؤخراً على لسان وزير الدولة للشؤون الأفريقية بالخارجية السعودية، أحمد عبد العزيز قطان، عن وقوفها بقوة مع الأمن المائي للدول العربية، معلنة عن سعيها لإنهاء ملف سد النهضة بالشكل الذي يضمن حقوق الدول الثلاث، مصر والسودان وأثيوبيا.
وتطرق الاستراتيجي السعودي، فواز العنزي، إلى ذلك الملف، في معرض حديثه مع "سكاي نيوز عربية"، مشيراً إلى أن "سد النهضة يشكل تهديداً للأمن المائي في مصر والسودان، وبالتبعية يكون من مصادر التهديد على الإقليم العربي بصفة عامة"، موضحاً أن "الرياض تسعى إلى إرضاء جميع الأطراف، وتحقيق المنافع لهم".
وتابع: "السعودية يهمها المحافظة على استقرار العالم العربي، ومن هذا المنطلق فسوف يكون لها دور كبير جداً في مسألة سد النهضة، وستتدخل بقوة، لما لها من علاقات تاريخية واقتصادية مع أديس أبابا، بما يعزز من دورها على طاولة المفاوضات بين مصر والسودان وأثيوبيا، ليكون هناك تبادل للمنافع والمصالح العليا المشتركة".