أثارت دعوة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، بشأن ضرورة عودة سوريا لشغل مقعدها بجامعة الدول العربية، اهتماما بارزا في وقت تعاني فيه المنطقة من وضع مضطرب، وسط استمرار التدخلات الإيرانية والتركية.
وقال دبلوماسيون ومحللون سياسيون، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن المبادرة الإماراتية لعودة سوريا إلى محيطها العربي تأتي في توقيت "ذكي" لقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي أضرّت بالملف السوري بشكل فادح، معتبرين أنه من الأهمية بمكان المضي قدما في تبني هذه المبادرة والبناء عليها.
وكان الشيخ عبد الله بن زايد، قد قال الثلاثاء في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، بالعاصمة أبوظبي، إنه من الأدوار المهمة لعودة سوريا هو أن تعود لجامعة الدول العربية، وهذا يتطلب جهدا أيضا من الجانب السوري كما يتطلب جهدا من "الزملاء في الجامعة العربية".
وأضاف أن الأمر يتعلق بالمصلحة العامة، أي مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة، لافتا إلى أن هناك "منغصات" بين الأطراف المختلفة، لكن لا يمكن سوى العمل على عودة سوريا إلى محيطها.
ويرى العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات العربية، وأستاذ العلوم السياسية في القاهرة، أحمد يوسف أحمد، أن وجود سوريا خارج الجامعة العربية "أمر غير طبيعي ويعقد حل الصراع الدائر في الوقت الراهن".
وأضاف أحمد في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه "من غير المقبول أن تكون سوريا موجودة في الأمم المتحدة وغير حاضرة في الجامعة العربية. يجب أن تتفهم الدول العربية أن الدولة السورية، تمثل النظام الشرعي من وجهة النظر القانونية، والذي يجب أن نتعامل معه عند الحديث عن أي تسوية للأزمة".
ووصف تصريحات وزير الخارجية الإماراتي بــ"الخطوة الإيجابية"، مضيفا: "أي موقف يؤيد عودة سوريا للجامعة العربية، فهو إضافة وخطوة جديدة إلى مسار تسوية الأزمة".
وقف التدخلات الأجنبية
ويعد توقيت الدعوة الإماراتية لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، في نظر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، حسين هريدي، مثاليا لتعقد الأوضاع في الشرق الأوسط، والتهديدات التي تواجه الأمن العربي، وبالتالي فمن الأهمية بمكان لم شمل العرب بما يمكنهم من مواجهة تلك التحديات من أرضية "عربية – عربية".
وأوضح هريدي لموقع "سكاي نيوز عربية": "تأخرنا في التعاطي مع قضية تعليق عضوية سوريا بالجامعة، وبالتالي يجب التمسك بشدة بالدعوة الإماراتية وكذلك المصرية في هذا الشأن"، مضيفا أن "الظروف تغيرت بشكل تام، والكل خصوصا في الدول العربية أدرك أن الشعب السوري والأمة العربية دفعوا تكلفة باهظة جراء التدخل الخارجي في الملف السوري، الذي لم يساهم في توفير الحل السياسي المنشود".
وتابع قائلا: "لعل أبرز دلالات المطالبة بعودة سوريا للجامعة، هو قطع الطريق على التدخلات الإقليمية والدولية في هذه الأزمة، وتحديدا التدخلات التركية والإيرانية، والتي عقّدت المشهد بشكل فادح".
وبيّن أن تصريحات وزير الخارجية الإماراتي "إشارة واضحة للمجتمع الدولي، بضرورة عودة سوريا لشغل عضويتها بالجامعة، وأن الدول العربية هي التي ستتصدى لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 وليس أي طرف آخر".
وعلّق وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقدوه في القاهرة أواخر نوفمبر 2011، عضوية سوريا في الجامعة لحين التزام الحكومة بتنفيذ بنود المبادرة العربية.
وقبل أيام، اعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن عودة سوريا إلى الحاضنة العربية "أمر حيوي من أجل صيانة الأمن القومي العربي".
وفي أواخر 2015، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع طالب بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا.
وحول الدور العربي في حل الأزمة السورية سياسيا، أوضح هريدي: "دون شك، يجب أن تكون للدول العربية الأولوية في معالجة الأزمة الراهنة، وأن يساهموا في دفع أطراف الأزمة سواءً كانت الحكومة السورية أو المعارضة للحوار والتفاوض حول سبل الخروج من الأزمة".
وفيما يتعلق بإعادة فتح الدول العربية لسفاراتها في سوريا، أشاد هريدي بقرار الإمارات بإعادة فتح سفارتها في دمشق في العام 2018.
وواصل هريدي قائلا: "نرجو من كافة الدول العربية أن تطوي صفحة العقد الماضي، وتعيد علاقاتها مع سوريا وتساهم في عودته إلى الحاضنة العربية".
التوقيت ملائم
واعتبر مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، خالد عكاشة، توقيت المطالبة بعودة سوريا للجامعة العربية "ملائما ودقيقا"، موضحا لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "هناك قدرا من الوعي الاستراتيجي لدى وزراء الخارجية الإماراتي والمصري بعد دعوتهما لمثل هذه الخطوة، كيلا يتركوا مستقبل سوريا فريسة في يد الدول الإقليمية أصحاب المشروعات المدمرة مثل إيران وتركيا، اللتين تعبثان بشكل بالغ بالداخل السوري ويلحقان بمستقبله ضررا فادحا".
وتكمن أهمية عودة سوريا للجامعة العربية، في رأي عكاشة، بالمساعدة على الحفاظ على معادلة الأمن الإقليمي للدول العربية كافة، في مشهد بالغ التعقيد.
ولفت إلى أن "هذه دعوات إيجابية بكل المقاييس، لأن المنطقة بحاجة إلى جهد في لم الشمل ومعالجة الأزمات التي يعاني منها الإقليم خلال العقد الماضي كله، وأن تمد الدول العربية يد العون للدول التي أصابها الضرر، والنموذج السوري أحد النماذج البارزة في هذا الشأن".
واختتم حديثه بالقول إن العرب "قادرون على تولي عمليات إعادة الإعمار في سوريا، ومساعدة الدولة السورية في بناء الحياة المستقبلية والتأهيل السياسي وصياغة الدستور، حفاظا على الأمن الإقليمي في المنطقة".