أتت تصريحات وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، خلال لقاء نظيره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، لتحرك المياه الراكدة في الأزمة السورية، التي تكمل بعد أيام، عامها العاشر، أي عقد كامل من السنين.
وحصيلة الأزمة السورية مأساوية وكارثية، لدرجة أنه، وفق التقارير الأممية الحديثة، فإن سوريا هي من أفقر دول العالم الآن، حيث بات زهاء 90 في المئة من سكانها، تحت مستوى خط الفقر، فضلا عن مقتل وجرح مئات الآلاف، وتشرد الملايين، ودمار مدن ومناطق بأكملها، واستباحة واحتلالات للأراضي السورية، من قبل دول إقليمية طامعة، ومنظمات إرهابية.
هذه المبادرة الإماراتية التي أعلن عنها، في حضور سيرغي لافروف، وزير خارجية أحد أكبر اللاعبين الدوليين الأثنين، الولايات المتحدة وروسيا، في سوريا، تمثل ما يمكن اعتباره، بمثابة النداء الأخير لإنقاذ ما تبقى من سوريا السائرة، حثيثا نحو الانهيار الكامل، ليس بالمعنى السياسي فقط، وإنما بالمعنى المجتمعي والدولتي، وهنا الخطر الداهم، حيث مختلف مناحي الحياة، ومضاميرها، تشهد انهيارا مخيفا، يطال حيوات، قرابة 20 مليون نسمة، حيث تدمر مستقبل أجيال برمتها، وباتت الحياة في سوريا، ضربا من الجحيم والمقاساة اللانهائية، ما يضع المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية كبرى، لتدارك الكارثة، ومعالجة الأزمة الوجودية السورية، التي لن تقف تداعياتها، وشظاياها، عند عتبة حدود سوريا فقط، بل طالت وستطال أكثر ، الجميع إقليميا ودوليا .
يقول الكاتب والصحافي سرتيب جوهر، المختص في الشؤون السورية في حوار مع موقع سكاي نيوز عربية: "هذه المبادرة الإماراتية، ربما تمثل بداية لتبلور مبادرة أوسع عربية - دولية، خاصة وأن الإمارات هي في تحالف وتنسيق كبير، مع كل من مصر والسعودية، في مختلف قضايا المنطقة، وضمنها بطبيعة الحال الأزمة السورية الكارثية".
ولعل الجانب الأهم في هذه المبادرة الإماراتية الداعية لإنقاذ سوريا، واعادتها لمحيطها العربي الإقليمي ولـجامعة الدول العربية، هو اسهامها في حث الادارة الجديدة في واشنطن، على إن لم يكن تعليق وإلغاء قانون قيصر الأميركي، للعقوبات على سوريا، فأقله تخفيف وطأته، وتدارك انعكاساته المباشرة، على الناس في سوريا، حيث زاد هذا القانون، الطين السوري بلة، وحول حيوات ملايين البشر السوريين، لقصة عذاب يومية، لا تطاق.
وفي هذا الصدد يقول جوهر: "قانون قيصر الأميركي، الذي أقرته ادارة دونالد ترامب، أضر بالدرجة الأولى، بالمواطنين السوريين على اختلاف تلاوينهم، ومناطق توزعهم الجغرافية، ودمر اقتصاد البلد، الذي كان أساسا في حال يرثى لها، بفعل الحرب الأهلية الطاحنة، والتدخلات الإقليمية والدولية المفتوحة، في الساحة السورية، التي تحولت خرابا ومشاعا، لمن هب ودب".
ويرى جوهر: "أن هذه المبادرة، قد تفتح آفاقا وأبوابا موصدة، لبلورة مقاربات حل سلمية توافقية وإنسانية، للأزمة في سوريا، كأن تأخذ الدول العربية الوازنة كمصر والسعودية والإمارات، الدور الأكبر في سوريا، وتتولى زمام مبادرة الحل، وبالتنسيق مع واشنطن وموسكو، خاصة وأن تصريحات وزير خارجية الإمارات، واطلاقه هذه المبادرة، جاءا في حضور نظيره الروسي، سيرغي لافروف".
ويردف: "وهنا فإن أول حوافز هكذا مبادرة، قد تكون تخفيف بعض بنود وفقرات قانون قيصر، أو تجميده ككل حتى، واعطاء فرصة جديدة لدمشق، لإبداء حسن النية، وتلقف هذه المبادرة، التي تطلقها أبوظبي، للبحث عن مخرج من النفق الدموي المسدود، ووضع خارطة طريق عربية، للخروج من الأزمة، وبما يقطع الطريق على تمادي التدخلات الإقليمية، خاصة التركية في سوريا، ولا ننسى هنا، أن أبوظبي ومعها القاهرة والرياض، هي من تتصدى للتوسعية التركية، في المنطقة العربية، من ليبيا لسوريا، والعراق".
ويتابع: "هذه الدعوة الإماراتية، هي توطئة لإطلاق مبادرة عربية، تقودها العواصم الثلاث، وللتوسط حتى بين واشنطن وموسكو في سوريا، قوامها ضرورة وضع حد للمأساة السورية المتمادية، بأكلافها الرهيبة، ومحاولة وضع حلول جدية لها، خاصة وأنه مرت عشر سنوات على هذه المحرقة السورية، ولم يسقط النظام السوري، بل وأصبحت ما تسمى "المعارضة"، مجرد مجموعات مرتزقة إرهابية، تابعة لتركيا".
ويسترسل الخبير في الشؤون السورية: "أعتقد أن حل القضية السورية المزمنة، يحتاج لمشاركة جميع الأطراف والأطياف، الداخلية والإقليمية، العربية منها خاصة، والدولية، للوصول لحل عادل وشامل، وتوافقي، ورسم خريطة جديدة لإدارة سوريا، بما ينسجم والتغيرات الداخلية والدولية، وأي حل سوري كهذا، يقتضي بداهة وجود اتفاق أميركي - روسي، وإلا فسيستمر الاستنزاف، ولن تنعم سوريا بالسلام والهدوء، حتى إشعار آخر".