لم يكن الشعب الليبي يتصور أن تزحف الأزمات على كافة مناحي الحياة، فقد بات انقطاع الكهرباء المياه وتردي الخدمات، أمورا معتادة، بشكل يومي، لكن الأزمة لم تقف عند هذا الحد، فامتدت إلى رغيف المواطن الذي يعاني تدني قدرته الشرائية وما يوصف بالغلاء "الفاحش".
وأضحت أزمة الخبز واحدة من أكثر الأزمات ارتباطا بحياة الناس، وذلك بعد تسجيل ارتفاع غير مسبوق في أسعار الدقيق والخبز والمواد التشغيلية التي تدخل في صناعة هذه السلعة الأساسية، خلال الآونة الأخيرة.
ويؤكد رئيس نقابة الخبازين في بنغازي، محمود بو بكر العريبي، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن أزمة الخبز في ليبيا لها عدة أسباب لكن العامل الأساسي فيها هو صدور قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برفع سعر الصرف إلى 4.48 دينار مقابل الدولار، مما أدى لارتفاع أسعار الدقيق، وبالتالي انعكس هذا على سعر رغيف الخبز الذي زاد أيضا وأثر على المواطنين بشكل عام وأصحاب المخابز بشكل خاص.
ويضيف العريبي "المشكلة الرئيسية تكمن عدم وجود مخزون استراتيجي من الدقيق في ليبيا، نظرا إلى عدم استيراد الكميات الكافية من الدقيق، مما أدى إلى نقص شديد في توفير المواد الخاصة بإنتاج الخبز، وقد تفاقم الأمر مع إيقاف مصرف ليبيا المركزي توريد كميات جديدة من القمح.
جشع التجار
وأشار إلى أن "جشع بعض التجار وأصحاب المطاحن ساهم في رفع أسعار الدقيق بالمخابز وبالتالي رفع سعر رغيف الخبز، فالأزمة المالية التي مرت بها الدولة الليبية والانقسام السياسي ساهما بشدة في عدم توفر المخزون الكافي من القمح في ليبيا، فضلا عن تغول أصحاب المطاحن وتجار الحروب، وتجار الأزمات، مما رفع أسعار الدقيق والقمح في ليبيا، إضافة إلى عدم وجود مخزون استراتيجي لهذه السلعة الأساسية للمواطن الليبي".
من جانبه يؤكد مفتاح النفار رئيس المنظمة الليبية للدفاع عن المدن المهمشة في ليبيا لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الخبز يعتبر الغذاء الرئيس للشعب الليبي، حيث يدخل في تناول 90 في المئة من أنواع الأطعمة والأكلات الليبية.
وأضاف أنه بعد عام 2011 أصبح هناك غلاء فاحش في سعر الخبز، فقد كان ربع الدينار الليبي يشتري عشرة أرغفة تسد حاجة أسرة من خمسة أفراد خلال اليوم، مضيفا أن تمويل السلع كان يتم من وزارة الاقتصاد ثم إدارة السلع التموينية التي كانت تمول إنتاج الخبز، واستمرت في ذلك بعد 2011.
وأشار إلى أن الدولة الليبية تنفق أكثر من 2 مليار دولار سنويا لدعم السلع التموينية مثل الدقيق والأرز والطماطم وباقي السلع الأساسية للمواطنين؛ ومن ضمن هذه السلع الدقيق الخاص بالمخابز، فكل فرن يأخذ الكمية المخصصة له من إدارة السلع التموينية مباشرة بحسب إنتاج المخبز الذي يقدره الخبراء المختصون في هذا الشأن.
تفشي الفساد
ونقل النفار ما يتردد من اتهامات عن تفشى الفساد بعد عام 2011 في وزارة الاقتصاد ثم إدارة السلع التموينية ثم المخازن نفسها من الأسباب الأساسية لأزمة الخبز، مما يقلل من نسبة الدقيق في السوق المحلي.
وأثر ذلك على الدقيق الذي بات يتوفر بنصف الكمية المعتادة، فالمخبز الذي كان يحصل على 100 "جوال" من الدقيق بات يتسلم 50 فقط، ثم يزداد الأمر سوءا بأن يقوم صاحب المخبز ببيع أكثر من نصف كمية الدقيق في السوق السوداء ثم يدعي عدم حصوله على السلعة، الأمر الذي تسبب في نشاط السوق السوداء.
ضعف الرواتب وطرق العلاج
ويكمل بالقول إن "10 أرغفة أصبحت تكلف الأسرة قرابة 2.5 دينار يوميا وهو مبلغ كبير مقارنة بالرواتب الضعيفة في البلاد، فالمرتبات في ليبيا تبدأ من 450 دينار والمتوسط 660، واضطرار المواطن لإنفاق 150 دينارا شهريا على شراء الخبز، يجعل باقي الراتب لا يكفي لشراء السلع الأساسية".
ويشير إلى أن العلاج يكون بتشديد الرقابة على الدقيق وتوريده وتوزيعه من الدولة بشكل يمنع الفساد المستشري في هذا الجانب.
غياب التنسيق
من جانبه يؤكد سليم الشحومي، منسق العلاقات الإعلامية ببلدية بنغازي، أن الخبز في ليبيا سلعة مدعومة من الدولة، وكانت هناك في الماضي مخصصات لكل مخبز، حيث يتوجه صاحب المخبز للجمعية لتسلم شحنات الدقيق بالإضافة للمواد التشغيلية مثل الملح والسكر والخميرة الخاصة به، وكانت العمالة متوفرة والأسعار مناسبة.
وبعد 2011 حدثت زعزعة وعدم استقرار مالي وسياسي، فضلا عن عدم الاستقرار الإداري، خاصة في التنسيق بين الجهات المستوردة والجهات الخاصة بالتوزيع في الدولة، مما اضطر نقابة الخبازين للجوء إلى السوق الموازي وشراء الدقيق بسعر السوق الخارجي.
واعتبر الشحومي أنه "من 2011 حتى بداية 2014، الأسعار كانت معقولة والأمور شبه طبيعية وبعد معارك 2014 ارتفع سعر الدولار في السوق الموازي وانعكس ذلك على نقص السيولة في المصارف وأدى إلى نقص التمويل وعدم ورود أي مخصصات لصندوق موازنة الأسعار في ليبيا مما أدى لرفع تسعيرة رغيف الخبز وحصرها في عدد معين من المخابز خاصة في مدينة بنغازي، مع ارتفاع سعر الدقيق وارتفاع سعر المواد التشغيلية".
أسباب الأزمة
ويلخص الشحومي أسباب الأزمة في "عزوف التجار عن تمويل أو إيداع المبالغ المالية في المصارف، والوضع السياسي وانقسام البلاد.
ويكمل الشحومي أن "الجانب الثاني الذي يعتمد عليه السوق الليبي هو المصانع المحلية التي تنتج الدقيق وهي القطاع الخاص الذي يستورد كميات من القمح الخاصة التي يدور بها عجلة الإنتاج، فارتفاع سعر الصرف أثر عليه، وكذلك عدم قدرة صندوق موازنة الأسعار على الاستيراد وإقفال المصرف المركزي في طرابلس، عوامل أدت إلى نقص القدرة على الاستيراد، و وحتى لو تم استيراد شيء يكون سعره مرتفعا للغاية".
عملية التعويم.
ويضيف أن سعر صرف الدينار أمام الدولار زاد بعد عام 2013 حتى الآن بنسبة 400 في المئة، وهي زيادة انعكست على سعر الرغيف الذي زاد بنفس النسبة، فكنت تحصل على عشرة أرغفة بربع دينار والآن ثلاثة أرغفة بدينار، مما أدى لتدهور حال المواطنين، فضلا عن معاناتهم من الازدحام الشديد أمام المخابز، فمن الممكن أن يقف الشخص من 4 فجرا حتى الساعة 7 أو 8 للحصول على 10 أرغفة خبز بسعر 2 أو 3 دينار.