أسئلة كثيرة أثارها قرار المغرب تعليق الاتصالات مع السفارة الألمانية، الذي بدا أنه مفاجئ للبعض، لكن سياسيين ومراقبين مغاربة اعتبروا الأمر متوقعا وضروريا إزاء تحركات برلين غير المنطقية تجاه الرباط.
وجاء الإعلان عن قطع الاتصالات عبر رسالة وجهها وزير الخارجية ناصر بوريطة لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني وبقية أعضاء الحكومة.
وقال بوريطة هذا القرار "جاء بسبب سوء التفاهم العميق مع ألمانيا في قضايا أساسية تهم المملكة"، دون ذكر مزيد من التفاصيل
لكن مراقبين رجحوا ارتباط القرار بردود الفعل الألمانية التي تلت اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء.
وكانت ألمانيا قد دعت إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي لبحث الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء، في ديسمبر الماضي، تزامنا مع رسالة كيلي كرافت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة حينها، إلى الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس.
وتضمنت الرسالة نسخة من إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يعترف "بأن كامل أراضي الصحراء هي جزء من المملكة المغربية".
وفيما كان المغرب يكثف جهوده لاستئناف المفاوضات الليبية على أرضه، أقدمت ألمانيا على إقصائه من مؤتمر برلين بشأن ليبيا، بداية العام الماضي، مما جعل المملكة تستضيف محادثات بين الفرقاء الليبيين خارج عملية ترعاها الأمم المتحدة بدأت في اجتماع برلين.
وكان المغرب قد عبر حينئذ عن استغرابه من خطوة ألمانيا، معتبرا أن المملكة "كانت دائما في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية، وقد اضطلعت بدور حاسم في إبرام اتفاقات الصخيرات، التي تشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين".
وبحسب مراقبين، فإن ردود الفعل الألمانية تلك ناجمة عن السياسة الخارجية المغربية النشيطة في شمال إفريقيا وخصوصا في الملف الليبي، إضافة إلى النجاح الذي أظهره المغرب في إدارة مخاطر ملفات الهجرة ومكافحة الإرهاب القادميْن من العمق الإفريقي جنوب الصحراء، مما جعله يحظى بثقة قوى دولية منافسة للطموحات الألمانية في إفريقيا مثل الولايات المتحدة والصين.
وتعتبر ألمانيا أن مستقبلها يوجد في أفريقيا، مما جعلها تضعها ضمن أولوياتها الاستراتيجية، وفقا لما كانت قد نشرته صحيفة "دي تسايت" الألمانية الشهيرة، معتبرة أن مشاكل القارة السمراء لها تداعيات على مستقبل السياسة الألمانية اتجاه الجنوب.
وعلاوة على مشاركتها بقوات غير قتالية ومدربين ومساهمة لوجستية في عمليات حفظ السلام التي تقودها فرنسا في مالي، تنشط ألمانيا في عمليات حفظ السلام والمراقبة البحرية في القرن الإفريقي وفي حوض البحر الأبيض المتوسط، فيما تتدخل دبلوماسيا في ملفات شمال أفريقيا، عبر مبعوثين ضمن مهمات أممية في الأزمة الليبية والنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وبحسب تقارير اقتصادية دولية، فإن ألمانيا تعاني في السنوات الأخيرة من فشل شراكاتها الإفريقية، بسبب عدم تمكن استثماراتها من إيجاد موطئ قدم قوية إلى جانب الحضور الصيني والفرنسي، الوضع الذي زاد من تأزيمه اعتماد ألمانيا على بلدان إفريقية تعيش اضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية.
وقال النائب البرلماني المغربي عن حزب التقدم والاشتراكية، جمال كريمي بنشقرون، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "المغرب كان ولا يزال يحترم كل الدول ويتعامل بمنطق سليم في علاقاته الدولية"، مؤكدا أن "التطاول فيما يتعلق بتناول كل الملفات، يظل مرفوضا"، منبها إلى أنه "لا يمكن للمغرب أن لا يصدر أي رد فعل".
مؤتمر ليبيا
وأضاف بنشقرون أن القرار المغربي القاضي بتعليق التواصل مع السفارة الألمانية في الرباط "نستشف من ورائه أن هناك مشاكل مرتبطة بتعامل ألمانيا مع المغرب منذ إقصاء المغرب من حضور مؤتمر برلين حول الملف الليبي، إضافة إلى موقف ألمانيا حيال اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء"، معتبرا أن برلين قد مثلت "صوتا نشازا وسط إشادات دولية داعمة للخطة الأميركية".
الباحث والكاتب السياسي، أمين صوصي علوي، أكد بدوره في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن المشاكل في العلاقات المغربية الألمانية قد بدأت "بتهميش الرباط من حضور مؤتمر برلين".
ملف الصحراء
وأضاف أن "ثمة دعما ألمانيا للبوليساريو يتضح من الموقف العدائي الألماني الذي حاول تغيير الموقف الأميركي اتجاه الاعتراف بمغربية الصحراء، عبر الضغط على الأمم المتحدة لاتخاذ قرار يخالف القرار الأميركي".
وأوضح صوصي علوي أن "القرار الرسمي الألماني القاضي بدعوة مجلس الأمن بعقد اجتماع طارئ هو تحرش بالمغرب"،
وأشار إلى أن "رفع علم الانفصال أمام برلمان ولاية بريمن موقف شاذ وخارج عن سياق التاريخ"، مضيفا أن جانبا آخر من المشكلة يتمثل في "فتح المجال أمام بعض المتطرفين داخل ألمانيا لمهاجمة المغرب والتحريض عليه".
ومن جانبه قال الباحث الاستراتيجي عبد الله الرامي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "ما حدث هو تجميد للعلاقات مع السفارة الألمانية في الرباط".
وأوضح "هناك صفحات تفتح في العلاقات الألمانية مع خصوم الوحدة الترابية المغربية، يستغلها هؤلاء للإضرار بالمغرب وبمصالحه"، مشددا على أن "المغرب قد تنبه إلى ذلك، وأقدم على هذه الخطوة من أجل تصحيح الأمور".