بعد شهور من انخفاضها، عادت موجة الهجرة غير الشرعية من السواحل التونسية نحو الضفة الشمالية للبحر المتوسط، إلى الصعود مجددا، رغم الظروف المناخية غير المواتية في مثل هذا الوقت من العام.
وأعلنت وزارة التونسية، الجمعة، عن إحباط 3 عمليات هجرة غير نظامية عبر البحر، وقالت في بيان رسمي إن "الوحدات التابعة للمناطق البحرية للحرس الوطني بكل من نابل (شرق) وبنزرت (شمال) تمكنت من إحباط ثلاث عمليات اجتياز للحدود البحرية خلسة باتجاه إيطاليا انطلاقا من سواحل الجهة، وضبط 27 مجتازا و حجز مبلغ مالي من العملة الأجنبية".
وأضاف البيان أن "النيابة العمومية أمرت باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في شأنهم".
وكانت السلطات الأمنية قد أعلنت الأسبوع الماضي عن تمكنها من إحباط 9 عمليات هجرة غير نظامية، والقبض على 219 شخصا أثناء اجتياز الحدود البحرية خلسة.
وأعلنت وزارة الداخلية، الاثنين الماضي 21 فبراير، أن الوحدات البحرية للحرس الوطني، تمكنت من إنقاذ 103 مهاجرين غير شرعيين، تعطل مركبهم أثناء إبحارهم خلسة تجاه إيطاليا.
وقال الناطق باسم إقليم الحرس البحري للوسط الرائد علي العياري، إن المهاجرين يحملون جنسيات مختلفة، منها السورية والمصرية والصومالية والسودانية والبنغالية، مضيفا أن "أعمار هؤلاء المهاجرين تتراوح بين عامين و40 عاما، ومن بينهم 6 إناث و5 قصر".
رغم المناخ
وقال المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهو منظمة غير حكومية، في آخر تقرير له حول الهجرة صدر في يناير الماضي، إن "موجات الھجرة غیر النظامية شهدت تواصلا رغم العوامل المناخیة، فمن المتعارف أن أشهر الشتاء تنتمي للأشھر التي تشھد انخفاضا كبيرا في موجات الھجرة نتيجة عوامل مرتبطة أساسا بالمناخ، لكن ذلك لم یمنع من أن تكون هذه الفترة أيضا استثنائية مقارنة بنفس الفترة خلال السنوات الماضية. حيث ارتفع عدد الواصلين إلى إیطالیا بـ%54 مقارنة بسنة 2018، كما ارتفع عدد من تم منع اجتیازھم بـ%238 مقارنة بسنة 2018، في حين يتوسع الفارق أكثر مقارنة بعام 2019 الذي عرفت فیھ الھجرة غير الشرعية أدنى مؤشراتھا".
وأضاف التقرير: "لئن أصبحت تونس وجھة للعديد من الأجانب خاصة القادمين من دول جنوب الصحراء، فإنها ظلت أیضا منطقة عبور لھم، لیظل ھدفھم الأساسي من دخولھم الھجرة غیر الشرعية عبر المتوسط، لذلك يتواصل للشھر الثاني على التوالي ارتفاع عدد المهاجرین من جنسیات غیر تونسیة الذین تم إحباط اجتیازھم لتبلغ 1.60 بالمئة نتيجة انخفاض الرغبة في الھجرة لدى التونسيين لعوامل مناخية أساسا، لتلجأ شبكات تھریب المھاجرین إلى الجنسیات غیر التونسیة".
وأرجع المنتدى في تقريره هذا الإصرار على تدفق المهاجرين رغم الوضع المناخي الخطير، وكذلك تواصل عملیات الترحیل القسري للمھاجرین غیر النظامیین من إیطالیا، إلى "استمرار الأزمة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة" الحادة التي تعيشها تونس منذ سنوات، وزادت حدتها خلال الأشهر الأخيرة.
وارتفع معدل البطالة في تونس من 13.7 بالمئة قبل 2011 إلى 19 بالمئة في 2020، فيما ارتفعت نسبة الفقر من 15 بالمئة في بداية 2020 إلى 19 بالمئة بداية العام الجاري، أي أن 475 ألف تونسي جديد أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، في المقابل تجاوز الدين العام 90 بالمئة من إجمالي الناتج الوطني وفقا لبيانات رسمية.
أسباب سياسية
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية رافع الطبيب، أن جذر الأزمة الحقيقي في تونس هو الخيارات غير الصائبة التي ينتهجها التحالف الحاكم الذي تقوده حركة النهضة.
ويقول الطبيب في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، إن "تدفق المهاجرين من تونس نحو شمال المتوسط ظاهرة قديمة، لكن ارتفاع معدلات الهجرة من بضع مئات إلى آلاف، مع التحولات التي طرأت على نوعية المهاجرين حيث أصبحنا نرى الأطفال والنساء في مشاهد غير مسبوقة يركبون القوارب الصغيرة نحو إيطاليا، يضع برامج التنمية التي تدعي الحكومة تنفيذها موضع النقد".
ويتابع الطبيب: "منذ حوالي 10 سنوات والطبقة السياسية الحاكمة منشغلة بالصراع حول السلطة، فيما الطبقات الوسطى والفقيرة تزداد فقرا وبؤسا، وهو ما يؤكد أن هذه الطبقة وعلى رأسها الإسلاميون عاجزون عن إيجاد الحلول الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، لأن همهم الوحيد تمكين حزبهم من مؤسسات الدولة والسيطرة عليها، في نموذج مشابه لما حدث في السودان على مدى 3 عقود (أثناء حكم الرئيس السابق عمر البشير)".
وتثير الأزمات السياسية في البلاد قلق المانحين الدوليين، الذين تعول عليهم تونس للخروج من أزمتها الاقتصادية، وتلك المتعلقة بتمويل الموازنات العامة منذ عام 2011.
وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني قد خفضت في 24 فبراير، تصنيف الإصدار الطويل الأجل للعملة الأجنبية والمحلية لتونس من B2 إلى B3، وحافظت على توقعاتها السلبية.
وقالت الوكالة إن "هذا التصنيف يعكس ضعف الحوكمة في مواجهة القيود الاجتماعية المتزايدة التي تمنع بشكل متزايد مرونة الحكومة في تنفيذ التعديل المالي وإصلاحات القطاع العام، التي من شأنها أن تحقق الاستقرار وتعكس الزيادة الملحوظة في عبء ديونها في نهاية المطاف".