كانت الضربة الجوية التي وجهتها القوات الأميركية ليلة أمس على ما أسمتها "البنية التحتية التي تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران في شرق سوريا" أقل مما كان يتوقعه إقليم كردستان العراق.
فالضربة المحدودة والحذرة لم تبعث برسائل مطمئنة إلى إقليم كردستان العراق؛ بل زادت من حساسية الإقليم وقلقه من موقع الجيوسياسي، وحاجته الدائمة إلى تغطية أمنية وسياسية وعسكرية، كانت تتولاها الولايات المتحدة منذ أكثر من ثُلث قرن، وبقي الإقليم بفعلها منطقة آمنة على الدوام، حتى اخترقتها حملة الصواريخ التي أطلقتها فصائل متطرفة على الإقليم في الخامس عشر من شهر شباط الحالي.
الضربة الأميركية التي أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية بأنها جاءت بتوجيه مباشر من الرئيس الأميركي جو بايدن، وكرد فعل على الهجمات الصاروخية التي نفذتها فصائل مسلحة في الخامس عشر من شهر فبراير الحالي، على القاعدة الأميركية بالقرب من مطار أربيل المدني الدولي، وسقطت بعض صواريخها داخل مدينة أربيل.
إلا أن مستويات الحذر الأميركية كانت واضحة جداً، فالمتحدث باسم البنتاغون أكد في تصريحات صحافية نقلتها صحيفة النيويورك تايمز: "الضربات كانت استجابة عسكرية صغيرة نسبياً ومحسوبة بدقة أسقطت سبع قنابل زنة 500 رطل على مجموعة صغيرة من المباني، عند معبر غير رسمي على الحدود السورية العراقية تستخدم لتهريب الأسلحة والمقاتلين. عرض البنتاغون مجموعات أكبر من الأهداف، لكن بايدن وافق على خيار أقل عدوانية، كما قال مسؤولون أميركيون".
مصدر كردي مطلع، شرح لـ"سكاي نيوز عربية" الهواجس والحسابات الكردية في ذلك الاتجاه، والتي عددها على ثلاثة مستويات متداخلة فيما بيها.
فالضربة التي تم توجيهها داخل الأراضي السورية، فأنها توسع من موقع ودور إقليم كردستان العراق في الصراع الإقليمي، وهو أمر لا يرغب به الإقليم حسب المصدر. فالصراع الإقليمي بين الولايات المتحدة وإيران وباقي القوى الإقليمية غير معروفة العواقب، ولها حسابات وتوافقات ومسارات شديدة التركيب، ولا تريد إقليم كردستان العراق، ولا يستطيع فعلياً، بحكم إمكانياته وموقع الجغرافي والسياسي، أن يكون جزء منها، فالتاريخ السياسي للأكراد العراقيين متخم بالحالات التي أدت فيها حالات الانخراط الكردي في الصراعات الإقليمية إلى عواقب غير حميدة على مصالح واستقرار المسألة الكردية.
كذلك أضاف المصدر بأن التوجه الرئيسي والجوهري الذي كان يسير عليه الإقليم كرد على الهجمات الصاروخية التي طالت العاصمة أربيل والمناطق المحيطة بها هو التعاون المثمر مع الحكومة المركزية العراقية، لوضع حدٍ نهائي لمثل تلك الأفعال. فقد كانت مصادر سياسية في إقليم كردستان العراق قد كشفت الأسبوع الماضي عن توصل الإقليم إلى نتائج واضحة خلال التحقيقات التي قامت بها، وتوصلت إلى العنوان الحقيقي للجهة التي نفذت تلك الضربات الصاروخية، وتوقعت مسارعة من قِبل الحكومة العراقية المركزية للقيام بإجراءات مناهضة لها.
الضربة الأميركية أخلت نسبياً بذلك، لأنها تجاوزت ذلك المستوى المتوقع بينها وبين أربيل وبغداد، الأمر الذي كانت جميع المداولات العسكرية والسياسية تعتبره أساساً جوهرياً لأية ردة فعل ممكن على تلك الهجمات، حيث شهدت العاصمة أربيل كثافة من اللقاءات السياسية والدبلوماسية.
تثبت ذلك بعد التصريحات الخاصة التي أدلى بها مسؤول سياسي أميركي لصحيفة نيويورك تايمز عقب الضربة: "أن الضربة جاءت داخل الحدود السورية لتفادي رد فعل دبلوماسي للحكومة العراقية، وقد عرض البنتاغون مجموعات أكبر من الأهداف، لكن بايدن وافق على الخيار الأصغر".
المسألة الثالثة المُقلقة بالنسبة للإقليم تتعلق بوضع المناطق المتنازع عليها، حيث انطلقت الصواريخ التي استهدفت مدينة أربيل. فطوال ثلاثة سنوات كامل كان المسؤولون الأكراد يحذرون من تنامي حالات الفوضى التي تشهدها تلك المناطق، وسيطرة فصائل مسلحة غير منضبطة على الحياة العامة هناك، وتطالب بمزيد من التعاون بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية العراقية، إلى أن وصلت الحال لأن تتحول تلك المنطقة إلى بؤرة يتم من خلالها إطلاق الصواريخ على مُدن الإقليم.
كانت الاستراتيجية العامة للإقليم تتوقع أن يتحول ذلك الحدث إلى نقطة فاصمة، تسمح بعودة التعاون والتخطيط المشترك للأوضاع الأمنية في تلك المنطقة، وذلك بعودة قوات البيشمركة والأجهزة الأمنية التابعة للإقليم، لتتعاون مع نظيرتها التابعة للحكومة المركزية العراقية. لكن شكل ومكان هذه الضربة الأميركية قد همش ذلك، في المدى المنظور على الأقل.