شهدت الجزائر العاصمة وعدة ولايات (محافظات)، الاثنين، خروج مسيرات شعبية بمناسبة الذكرى الثانية للحراك الشعبي (22 فبراير 2019)، الذي أطاح بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وحافظ المتظاهرون على سلمية الاحتجاجات، والأسلوب الذي ميز الحراك الشعبي الجزائري طيلة عام، قبل أن يتوقف في شهر مارس 2020، بسبب جائحة (كوفيد 19) وما رافقها من إجراءات للحجر الصحي.
مسيرات سلمية بأعداد متفاوتة
وقد جابت المسيرات شوراع الجزائر العاصمة، قبل أن تستقر في شارع أودان والبريد المركزي وسط العاصمة، ولم تشهد المسيرات أي أعمال عنف أو تخريب أو مشادات تذكر مع رجال الأمن.
وكعادة مسيرات الحراك، فقد كانت الوجهة الأساسية، ساحة البريد المركزي وسط الجزائر العاصمة، وهي الساحة التي تحولت إلى معلم للحراك الشعبي منذ أن حج إليها الآلاف في 22 فبراير 2019 لوقف مسار العهدة الخامسة للبوتفليقة.
ورفع المحتجون شعارات تطالب بمزيد من الحريات، وكان من أبرز الشعارات التي استحدثت خلال هذا اليوم شعار (لا إسلامي ولا علماني) و(الشعب يريد الاستقلال).
إلى ذلك انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور وفيديوهات لمسيرات مماثلة، ولكن بحجم أقل، شهدتها عدة ولايات عبر الوطن أبرزها منطقة القبائل، ولايتي تيزي وزو وبجاية، والبويرة وبرج بوعريج ومستغانم وقسنطينة وجيجل وسطيف ووهران.
وأكد الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس (يعد واحد من أبرز الشخصيات المعارضة الذين شاركوا في الحوار مع السلطة في عهد الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، قبل أن يعلن تراجعه) أن ما تعيشه الجزائر اليوم هو عودة للحراك الشعبي.
وقال لالماس: "على النظام أن يفهم أن للشارع مطالب منطقية، تريد المساهة في بناء صورة الجزائر".
من جهته، وجه رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض محسن بلعباس نداء للسلطة للاستماع لمطالب الشعب، وقال:"خرجنا لإعادة الحراك لأن المطالب التي رفعناها منذ عامين لم تتحقق، نواصل المسيرة السلمية، والجزائريون متعطشون لدولة الحقوق والديموقراطية".
السلطة حققت العديد من مطالب الحراك
وتأتي هذه المسيرات بعد أشهر، قطعت فيها السلطة أشواطا من الإصلاح السياسي بداية من تعديل الدستور، وما رافقها من فتحٍ لأبواب النقاش أمام جميع الفاعلين سواء الأحزاب والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية.
وقد شارك في إعداد مشروع الدستور أزيد من 500 جهة، قدموا أكثر من 5 آلاف مقترح، كان من أبرزها دسترة الحراك الشعبي باعتبار يوم 22 فبراير يوما وطنيا يؤكد على تلاحم الشعب مع الجيش.
وجاء في ديباجة الدستور: "يعبّر الشعب عن حرصه على ترجمة طموحاته في هذا الدستور بإحداث تحولات اجتماعية وسياسية عميقة من أجل بناء جزائر جديدة، طالب بها سلميا الحراك الشعبي الأصيل الذي بدأ في 22 فبراير 2019".
وأكد الخبير في القانون الدستوري، بوزيد لزهاري، أن الدستور الجديد يضمن حقوق الإنسان ويلبي مطالب الحراك الشعبي، ويساهم في بناء الدولة التي كان يحلم بها الآباء المؤسسون لبيان أول نوفمبر".
وفي كل خرجاته الإعلامية، منذ انتخابه رئيسا للبلاد في 12 ديسمبر 2019، لم ينس الرئيس تبون تحية الحراك الشعبي.
وقال تبون في آخر خطاب وجهه للأمة الأسبوع الماضي:"المسيرات التي نفتخر بها للحراك الأصيل المبارك، وهو الحراك الذي أبهر كل الدول وأنقذ الجزائر من مأساة، خاصة حينما تقبل الانتخابات بكل روح سياسية".
وبمناسبة ذكرى الحراك الثانية، أصدر الرئيس عفوا رئاسيا، استفاد منه 60 سجينا من الذين أطلق عليهم الرئيس تبون وصف "معتقلي الحراك"، وقد شمل العفو أبرز المساجين الذين طالب الحراك في مسيراته بإطلاق سراحهم على غرار الصحافي خالد درارني والناشط السياسي رشيد نكاز.
وبعد عامين من الحراك، يلاحظ أن العديد من الأحزاب السياسية المعارضة باتت تصف في صف خيارات السلطة، وترى ضرورة التوجه إلى الانتخابات التشريعية التي دعت إليها السلطة.
كما توجد في الجزائر اليوم العديد من الأصوات التي تعارض الحراك وتدعو إلى الحلول السياسية.
تشكيك وأجندة أجنبية
ويرى مؤيدو التغيير عن طريق الحوار والرافضون لفكرة "يتناحو كاع" أي "يرحلون جميعا" أن تلك الفكرة التي تسوق لها بعض الأصوات في الحراك، تجاوزها الزمن وهي تدفع بالبلاد إلى المجهول والفراغ السياسي ومنه الفوضى والسيناريو الليبي.
وقال رئيس أكاديمية الشباب الجزائري السيد بوعزيز سمير لـ"سكاي نيوز عربية":"نحن اليوم أمام مناسبة الذكرى الثانية للحراك المبارك وهو يوم وطني للتلاحم والأخوة بين الشعب وجيشه من أجل الديموقراطية".
وأكد بوعزيز أن الحراك حقق مطالبه الأساسية بفضل السلمية، وقال:"الجزائر وصلت إلى مرحلة إعادة بناء المؤسسات عن طريق الانتخابات وذلك بعد إصدار الرئيس لقرار حل المجلس الشعبي الوطني تمهيدا للانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها خلال أشهر كحد أقصى بحسب ما ينص عليه الدستور".
وأشار بوعزيز إلى أن مشكلة بعض الأصوات في الحراك، تمكن في رفعها لمطالب تعجيزية تريد الدفع نحو حل المؤسسات الوطنية.
ويرى معارضوا الحراك أن هناك أجندات خفية تعمل نحو خلق الفوضى.
وقال بوعزيز:"أصبح الأمر ظاهرا للعيان للتحركات المشبوهة وهناك أجندات لا تريد الخير للجزائر وتسعى لاستغلال عاطفة الشعب من خلال إخراج الحراك رغم التحديات الإقليمية التي تواجهها الجزائر".
في انتظار رد فعل السلطة
وفي عددها الصادر الشهر يناير، تحدثت افتتاحية مجلة الجيش الوطني الشعبي الجزائري عن "المؤامرة".
وقالت مجلة الجيش:"أطراف حركت بيادقها وأوعزت لأصوات ذوي النوايا السيئة بفعل ارتباطها بأجندات خارجية أضحت معروفة لدى العام والخاص قصد الالتفاف على المطالب المشروعة للشعب وبث سمومها في محاولة لدفع البلاد إلى الفوضى وخلط الأوراق بما يخدم مصالحها ومآربها الخبيثة ضمن مخطط يهدف بالدرجة الأولى إلى ضرب المصداقية التي يحظى بها الجيش الوطني الشعبي ومن ثم العلاقة المتينة التي تربط الشعب بجيشه".
ويلخص المحلل السياسي رضوان بوهديل المشهد قائلا: "التظاهر حق دستوري مكفول لكل مواطن في الجزائر الجديدة، ولا يمكن الجزم هل الشعارات هي امتداد للحراك أم مطالب جديدة في نهاية الأمر".
وقال بوهديل لـ"سكاي نيوز عربية":"هناك رفع لعدد من المطالب وقد التزم الشعب في الشارع اليوم بسلمية وطريقة حضارية. وهذه المطالب تحتاج إلى استجابة في جميع الأحوال، ونحن في انتظار رد فعل السلطة حول هذه المسيرات والتي لا يمكن وصفها بالاحتجاجات لأنها تمتاز بالسلمية".