أمضت سمية 30 سنة من حياتها في الديار الإيطالية، اقتنت بيتا رفقة زوجها وصنعت حياتا واستقرارا، غير أنها لم تتوقع أنها ستختار الهجرة من جديد وستحمل حقائبها كما حملتهم في المرة الأولى من تونس، وتركب أمواج المجهول في اتجاه فرنسا أملا في حياة أكثر أمانا.
فما هي الأسباب التي تدفع التونسيين إلى اختيار فرنسا وجهتهم الأولى بعد الوصول إلى إيطاليا، وما الذي يدفعهم إلى المغادرة؟.
تحكي سمية في حديثها لموقع سكاي نيوز عربية أنها وصلت إلى فرنسا في يونيو 2019 قادمة من مدينة بسكارا الإيطالية بسبب الأزمة الاقتصادية.
وتضيف، "لم يكن قرارا سهلا في البداية، خصوصا أننا قدمنا إلى إيطاليا عرسان من تونس قبل ثلاثين سنة، تركنا بيتنا الذي كان ملكنا، وعملي كوسيط ثقافي ومترجمة في عدد من المعاهد الإيطالية، وجئنا إلى فرنسا لأن لغتنا الأجنبية الأولى في تونس كانت الفرنسية، كما أنه لنا عائلة كبيرة هنا ساعدتنا كثيرا على الاستقرار في مدينة ستراسبورغ الفرنسية".
وتوضح في شق آخر أن ما يميز فرنسا، أنها متقدمة جدا على مستوى المساعدات الاجتماعية بالمقارنة مع إيطاليا، كما أن سوق الشغل لايزال مفتوحا في وجه المهاجرين. وتقول في هذا الشأن، "صادفتنا بعض المصاعب في البداية تمثلت أساسا في إيجاد سكن، لأن المؤجر يطلب كشف حساب ثلاثة أشهر عمل في فرنسا، إلا أنه استطعنا تأجير شقة من تونسي راعى وضعنا. أما بخصوص العمل، فقد كان يسيرا، إذ استطاع زوجي الحصول على عمل في ظرف أسبوع واحد".
وتستطرد سمية، "فرنسا تصنع بداخلنا أمانا افتقدناه في إيطاليا، مثلا بعد حوالي ستة أشهر على قدومنا إلى فرنسا انتشر وباء كورونا وتوقف زوجي عن العمل، لم نحس بأي ضيق، لأن الدولة الفرنسية قدمت المساعدات اللازمة بشكل آني وسريع عكس إيطاليا، حيث نسمع عن أصدقائنا أنهم لم يتوصلوا بعد بأي تعويضات مادية لحد الساعة. الوقت هو الذي يصنع الاختلاف بين البلدين".
وتختم حديثها قائلة، "عملت في المجال الجمعوي، وأكاد أجزم أن الأسباب مهما تعددت، الوضع واحد بالنسبة لكل الجاليات المقيمة في الديار الإيطالية، واللحمة والتماسك مفقودان بين المهاجرين".
فرنسا لم تكن وجهة سمية فقط، بل لآلاف المهاجرين التونسيين، النظاميين وغير النظاميين، الذي جعلوا من إيطاليا محطة عبور، وبحسب مقال نشرته صحيفة "لو فيغارو" اليومية أوضحت فيه أن الهجوم الذي وقع في نيس يوم 29 أكتوبر الماضي ونفذه تونسي قادم من إيطاليا، كشف عن سهولة اختراق حدود الاتحاد الأوروبي الذي تدعي أوروبا أنها أغلقتها باسم الحرب ضد كوفيد19-.
كما ذكرت أن إيطاليا أصبحت محطة عبور المهاجرين التونسيين نحو فرنسا، وبلغة الأرقام أشارت إلى أنه منذ شهر يوليو الماضي، يمثل التونسيون حوالي 40٪ من الأشخاص الذين يصلون إلى جزيرة لامبيدوزا، وذلك بسبب هروبهم من أزمة السياحة التي أدت إلى انهيار الاقتصاد التونسي.
التونسيون.. والوضع في لامبيدوزا
وتعتبر جزيرة لامبيدوزا الواقعة جنوب إيطاليا، محطة العبور الأولى للمهاجرين قبل دخولهم البر الإيطالي ومنه ينتقلون إلى أوروبا.
وتستقبل يوميا عشرات المهاجرين القادمين في أغلبهم من تونس. وبمجرد وصولهم يقيمون في مركز الاحتجاز وينتظرون الانتقال إلى صقلية أو ترحيلهم إلى بلدهم الأصل.
وبحسب المسؤولة عن الإحصاء في مؤسسة المبادرات والدراسات حول التعددية العرقية في ميلانو، ليفيا أورتنسي في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، الترحيل نحو تونس الذي انطلق في بداية غشت الماضي تم وفق اتفاقية بين تونس وإيطاليا، بحكم أن تونس بلد آمن، وبالتالي تتم إعادة حوالي 80 مهاجر تونسي اسبوعياً وعندما يزيد العدد عن المتفق عليه، توزع تصاريح الإخلاء على المهاجرين المتبقين ثم ينتقلون من خلالها إلى وجهات أخرى، وفي الأغلب يفضلون فرنسا .
وتقول "إن ما توفر لديها من معلومات يفيد بأن عدد المهاجرين في شهر نوفمبر الماضي قد انخفض في النقاط الساخنة وفي لامبيدوزا. حيث بلغ عدد المهاجرين 50 شخصا، وهو رقم أقل بكثير من السعة الإجمالية لمركز الاحتجاز بإيطاليا.
الهجرة التونسية في أرقام إيطالية
وتؤكد المسؤولة عن الإحصاء في مؤسسة المبادرات والدراسات حول التعددية العرقية في ميلانو، أنه توجد عدة أدلة على عدم بقاء المهاجرين التونسيين في إيطاليا.
وتوضح قولها مضيفة، "على الرغم من أن عشرات الآلاف من التونسيين وصلوا إلى إيطاليا منذ ثورة 2011، إلا أن عدد التونسيين انخفض إلى 107000في عام 2019 بعد أن كان العدد يتعدى 113000 في عام 2009، كما أن القليل منهم من يطلب الجنسية الإيطالية. ونلاحظ أنه خلال حملة تسوية الوضعية الصيف الماضي، استفاد منها 2000 تونسي فقط لأن قلة قليلة منهم طلبت ذلك.
وتتابع أورتنسي، "كما أن بيانات وزارة الداخلية الإيطالية تكشف أن أقل من 10٪ من أولئك الذين حصلوا على الحماية الدولية عام 2011 هم فقط الباقون في البلاد حتى عام 2018، أي أدنى معدل بالمقارنة مع جميع الجنسيات. وحتى حاملو الجنسية الإيطالية ذهبوا، إذ أنه بين عام 2012 و 2017، تبين أن 56٪ ممن حصلوا عليها غادروا إلى فرنسا، وفي المقابل تشير بيانات وزارة الداخلية بأن ما لا يزيد عن 15٪ منهم قد عادوا إلى تونس".
وعن أسباب هذا النزوح نحو فرنسا، تؤكد الباحثة الإيطالية أن الأزمة الاقتصادية الحرجة التي تمر منها إيطاليا قللت من فرص حصول التونسيين على عمل كما فقد آخرون مناصبهم، بالإضافة إلى أزمة وباء كورونا التي فاقمت الوضع بكثير.