شهدت مدينة الداخلة المغربية خلال اليومين الماضيين إطلاق أول منتدى شبابي للحوار المدني، وذلك بمشاركة عدد من الشباب ومنظمات المجتمع المدني، والفعاليات السياسية المغربية، ما انتهى بانتخاب مكتب مسير للمنتدى وتحديد برنامج عمله.
ويهدف المنتدى، بحسب بيان ختامي صادر عنه، إلى "تأسيس أرضية تشاركية للتفاعل والنقاش المدني بين مختلف الفاعلين على مستويات الاقتصادية والسياسة والثقافة وقضايا المجتمع".
وتأسيس هذا المنتدى، الذي يأتي بحسب مراقبين في ظل التقدم السريع للنجاحات الدبلوماسية المغربية بخصوص تأكيد مغربية الصحراء، يعبر عن "تصور حضاري مدني مستقل ومعاصر بعيدا عن المقاربة الشمولية والدوغمائية"، يصيف البيان، في إشارة إلى انغلاق وعدمية الفكر الانفصالي.
والهيئة الشبابية التي تضم "إطارات وازنة من مختلف المجالات"، و"لجانا تقنية وعلمية واستشارية"، تطمح، بحسب البيان ذاته، إلى تكريس "ثقافة الحوار المجتمعي والانفتاح الفعال والإيجابي على السياسات والاستراتيجيات الرامية للنهوض بالشأن العام محليا وإقليميا ووطنيا".
وقال الشيخ المامي أحمد بازيد، الذي تم انتخابه رئيسا للمنتدى، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "هذه المبادرة تسعى إلى المساهمة في تفعيل دور الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في الخروج بأفكار جديدة تساعد على التنمية والاستقرار وردم الهوة بين مختلف الأطياف والتيارات في المنطقة".
وأعتبر الشيخ المامي أن هذه المبادرة "مستقلة ونابعة من فاعلين ينتمون إلى ساكنة إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب اختاروا الاستفادة من هامش الحريات وآليات الديمقراطية التشاركية للمساهمة في حل قضايا المنطقة"، مشيرا إلى أهمية "البحث عن حل ورفض حالة الجمود السياسي"، مؤكدا أن ذلك هو القاسم المشترك بين عدة "منظمات غير حكومية ذات توجهات سياسية مختلفة".
ويأتي تأسيس المنتدى في ظل مكاسب مغربية كثيرة كان آخرها تحرير معبر الكركارات من محاولات إغلاقٍ من طرف عناصر البوليساريو، والاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، وافتتاح قنصليات دولية وعربية في مدن الصحراء المغربية، ما يجعل المنتدى تكريسا لدور المنظمات غير الحكومية في بناء حل عادل وشامل ومتوافق عليه للنزاع المفتعل حول مغربية الصحراء.
وفي هذا الصدد يقول لحسن بوشمامة، الباحث والكاتب السياسي، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "المناخ السياسي الذي أرساه المغرب منذ ثلاث عقود، والذي يتمثل في قيم الانفتاح والتعدد والديمقراطية والحوار، هو الذي يجعل أي مبادرات للمجتمع المدني من شأنها أن تكرس أن الانغلاق والأحادية لا مكان لهما في المغرب".
وشدد على "أن الصحراء المغربية هي أكثر أقاليم المغرب حرصا على الابتعاد عن الانغلاق، ولهذا فالشباب في الداخلة والعيون يؤسسون المنتديات لقطع الطريق أمام مزاعم البوليساريو التي تدعي بأن التنظيم الانفصالي هو الممثل الحصري والوحيد لسكان الأقاليم الجنوبية المغربية"، منبها إلى أن "التجربة الديمقراطية في تلك الأقاليم تقول أيضا الشيء الكثير، فسكان العيون والداخلة يختارون ممثليهم بانتخابات حرة ونزيهة، والفعاليات المدنية تمارس نشاطاتها في إطار القانون وبمنطق التعدد".
الباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية أحمد صلحي، قال بدوره في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "المنطق الدوغمائي الذي لطالما حاولت البوليساريو أن تكرسه يتهاوى اليوم تارة على وقع الانتصارات الدبلوماسية المغربية، وتارة أخرى تحت الضربات التي يوقعها المجتمع المدني المغربي في مدن الصحراء"، مشددا على أن "الخيار المعقول والمنطقي والعملي أن ينبري المجتمع المدني والهيئات السياسية إلى تأسيس المبادرات الرامية إلى الاضطلاع بتدبير الشأن العام المحلي".
وأردف صلحي مؤكدا أن "تأسيس المنتديات الشبابية في مدن الصحراء المغربية هو عبارة عن تمرين ديمقراطي سيؤهل النخب الشابة في الأقاليم الجنوبية لكي تكون هي القاطرة الأساسية للحكم الذاتي"، مضيفا أن "هذا هو آخر مسمار سيدق في نعش المشروع الانفصالي الذي يزعم زورا أنه يمثل سكان الصحراء المغربية، فيما الممثل الحقيقي للسكان هم السكان أنفسهم من خلال الآليات التمثيلية وآليات الديمقراطية التشاركية التي تتيح للمجتمع المدني التحرك بكل شفافية، وفقا لما يرسمه الدستور المغربي من معالم طريق غاية في الأهمية".
جدير بالذكر ان الطرح الانفصالي قد أصيب بالكثير من الهزائم والخسائر، فيما يحظى مقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب كحل نهائي وعادل وشامل للنزاع المفتعل حول الصحراء بالكثير من عوامل النجاح، لاسيما وأن الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة أصبحت تحتم دينامية أكبر للمنظمات غير الحكومية ما سيرفع من مستوى الحوار للمساهمة في اختصار الوقت وتنزيل الحلول الواقعية التي من شأنها أن تخدم ساكنة الأقاليم الجنوبية للمغرب ومستقبل الأجيال القادمة.