ليست المرة الأولى التي تتم فيها هجمات صاروخية إرهابية على مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق من قبل مجموعات متطرفة سواء من الدواعش أو من ميليشيات الحشد الشعبي.
لكن الجديد هذه المرة استهداف مركز المدينة وأحيائها السكنية والمكتظة ما يعني أن ثمة رسالة مغايرة تريد الجهات الراعية والمحرضة لتلك الجماعات الإرهابية ايصالها لإقليم كردستان وللمجتمع الدولي تاليا وما يعني أن على الكرد اعادة ترتيب أوراقهم وخططهم الأمنية ودوما بالتنسيق والتعاون مع واشنطن وبقية الحلفاء وبغداد بطبيعة الحال.
إعلان جماعة تدعى "سرايا أولياء الدم" مسؤوليتها عن الهجوم مع أنها ليست جماعة معروفة سابقا، لكنه مؤشر على أن الفاعلين يريدون هذه المرة التمويه تحت أسماء مستعارة ووهمية بيد أنهم مع ذلك مكشوفون ومعروفون تماما.
فلطالما ضجت أدبيات وخطابات الميليشيات الطائفية العراقية في إطار ما يسمى الحشد الشعبي بالتخوين للكرد والتهديد والوعيد على اعتبار كونهم متحالفين مع الشيطان الأكبر وغير ذلك من توصيفات مبتذلة.
الهجوم الإرهابي قابله تضامن دولي واسع النطاق مع إقليم كردستان العراق وبادرت مختلف القنصليات في أربيل إلى إعلان تضامنها مع الكرد وتنديدها بالاعتداءات.
وبحسب معلقين ومحللين كرد هنا فإن تجربة إقليم كردستان الديمقراطية الفيدرالية مستهدفة دوما من قبل الدول المحيطة بالإقليم والتي تتقاسم كردستان لا سيما كل من تركيا وإيران اللتان وإن تعاطتا معه وأقرتا به لكنه من باب الرضوخ للأمر الواقع وليس عن قناعة مبدئية أو براغماتية سياسية كونهما تعتبران هذه التجربة مصدر إلهام وتحفيز للكرد في كلا البلدين والذين يعانون الأمربن من شتى صنوف التمييز والاضطهاد القومي ضدهم.
تتعدد قراءات المراقبين لهذه الهجمة ومغزى توقيتها لكن ثمة اتفاق شبه عام على أن الميليشيات المنفلتة العقال في العراق هي من تقف خلفه وأن الهدف الرئيسي لهذه الهجمة هو جس نبض الإدارة الأميركية الجديدة ودراسة ردود فعلها على هذه العملية التي استهدفت مباشرة القوات الأميركية وقواعد التحالف الدولي في أربيل فضلا عن إعطاء إدارة بايدن إشارة بأن يد من يقف خلف هذه الميليشيات طويلة في العراق بما يكفي لاستهداف الأميركان في عقر الدار الكردية.
ويقول طارق جوهر المستشار في رئاسة برلمان إقليم كردستان العراق لـ"سكاي نيوز عربية": "لطالما تعرضت أربيل عاصمة كردستان لهجمات واستهدافات الجماعات الإرهابية والتي ليست فقط عاصمة سياسية بل باتت عاصمة سياحية وملاذا آمنا لكل العراقيين الذين قدموا تضحيات ضد المتطرفين والإرهابيين".
ويضيف "استهداف هذه المنطقة والعاصمة الآمنة يحمل رسائل إقليمية ودولية سيما على وقع الصراع الأميركي - الإيراني فالإقليم يدفع ضريبة هذا الصراع ويتعرض لضغوطات وحتى بالنسبة لموضوع الميزانية الاتحادية يتم تسيسها وابتزاز الإقليم في حصته منها بسبب تعنت بعض القوى السياسية العراقية على خلفية رفض الإقليم الانسياق معها في الدعوة لخروج القوات الأميركية من العراق فهكذا استهدافات هي أشبه ما تكون بحرب بالنيابة من قبل بعض الدول الإقليمية التي تستغل نفوذها في العراق وتوظف الميليشيات العسكرية العراقية الموالية لها لاستهداف من تراه عقبة أمام تطبيق سياساتها العراقية والإقليمية".
ويتابع: "ردود الأفعال الدولية المنددة كانت جيدة وخاصة موقف واشنطن والمواقف الأوروبية والعربية وحتى في بغداد كان موقف رئيس الوزراء العراقي جيدا ومواقف الكثير من القوى السياسية إيجابية".
ويقول: "الفرصة مواتية على وقع هذا الهجوم لفتح صفحة جديدة من التعاون الأمني بين بغداد وأربيل خاصة في مناطق المادة 140 من الدستور في كركوك والموصل وغيرها التي تحولت لساحة مشاع أمام الميليشيات والدواعش ما يشكل خطرا على الجميع وليس على الكرد فقط".
ويضيف جوهر "ثمة طرفان وراء هذه العملية الإرهابية لا ثالث لهما فإما تنظيم داعش وبقاياه أو الميليشيات المذهبية العراقية المنفلتة والتي باتت تشكل دولة ضمن الدولة".
وفي مطلق الأحوال كما تركز القراءات هنا فإن الهجوم الإرهابي بدلا من اضعاف الإقليم الكردستاني ومحاولة ضرب استقراره وزعزعة أمنه فإنه على العكس يثبت المكانة المحورية التي يتمتع بها في الحرب على الإرهاب والتطرف كما في مجابهة المشاريع الظلامية والتوسعية لبعض القوى الإقليمية التي لا حاجة لتسميتها فضلا عن نموذجه الديمقراطي والتعايشي والذي يثبت أن الكرد على عكس بروباغاندا العواصم المقتسمة لوطنهم عامل سلام وتنمية وأن بإمكانهم ادارة أنفسهم والاسهام في نزع فتائل التوتير والتفجير الإقليمية وزرع الأمل في مستقبل واعد لهذا الجزء من العالم.