دخلت الأزمة السياسية في تونس منعطفا جديدا في الساعات الأخيرة، بعد بروز علامات تظهر تشبث الأطراف بمواقفها، على خلفية التعديل الوزاري الذي لا يزال يراوح مكانه منذ أسابيع.
وكان رئيس الوزراء التونسي، هشام المشيشي، قد أقصى وزير داخليته السابق، توفيق شرف الدين، المقرب من الرئيس قيس سعيّد، في مطلع يناير الماضي، قبل أن يجري تعديلا وزاريا على حكومته في الشهر ذاته، حيث عيّن بموجبه 12 وزيرا جديدا، "أملا في ضخ دماء جديدة في الحكومة"، رغم أنه لم يمض على ولايتها سوى عدة أشهر.
وأثار هذا الأمر غضب الرئيس سعيّد، خاصة أنه لم يجر التباحث معه بشأن التعديل الوزاري، معتبرا الأمر انتهاكا للدستور، مشيرا إلى أن هناك بعض شبهات لتضارب المصالح للوزراء الجدد، وقال ذلك صراحة في اجتماع مع المشيشي، نقل على الهواء مباشرة.
ويرفض سعيّد حتى الآن التعديل الوزاري، ولذلك امتنع عن استقبال هؤلاء الوزراء، لأداء اليمين الدستورية، مما يعني تعثر عمل الحكومة، في وقت تغلي البلاد على وقع الاحتجاجات والأزمة الاقتصادية الخانقة التي فاقمتها جائحة كورونا.
الأطراف متمسكة بمواقفها
وفي آخر تفاصيل الأزمة السياسية، طلب الميشيشي استشارة من المحكمة الإدارية بخصوص التعديل الوزاري، ليأتي ردها، الخميس، بأنها غير مخولة بالخوض في الأمر.
وقالت: "في ظل وجود أحكام دستورية صريحة تكون المحكمة الدستورية هي السلطة المخولة لها حصرا النظر في الإشكالات المعروضة".
وسعى رئيس الحكومة التونسية من وراء هذا الأمر إلى إثبات شرعية خطواته في التعديل الوزاري.
ومن جانبه، أكد سعيّد، الأربعاء، لدى اجتماعه الأربعاء بقصر قرطاج الرئاسي في العاصمة تونس، احترام الدستور واحترام مؤسسات الدولة، وذكّر بأن التعديل الوزاري تشوبه العديد من الخروق، وتحوم حول عدد من الوزراء شبهات تضارب مصالح وفساد، مما يعني أن الرئيس التونسي مصرّ على موقفه.
واتساقا مع موقفه المتحدي للرئيس سعيّد، أصدرت حركة النهضة الإخوانية، مساء الخميس، بيانا جددت فيه دعمها لرئيس الحكومة هشام المشيشي.
وقالت حركة النهضة في بيانها "إن الحوار الجدّي والمسؤول بين الأطراف المعنيّة هو الآلية الوحيدة الكفيلة بحل الأزمة المتعلّقة بمسألة التحوير الوزاري الذي أدخله هشام المشيشي على حكومته بمقتضى ما يخوّله له الدّستور من صلاحيات".
ويرى مراقبون أن بيان التنظيم الإخواني يأتي في سياق محاولته إضعاف خصمها السياسي، الرئيس قيس سعيّد، الذي يبدو أكثر تفوقا أمام الرأي العام وأكثر وضوحا وثباتا في مواقفه، وفق مراقبين وسياسيين.
جذور الأزمة
وقال النائب عن الكتلة الديمقراطية، هشام العجبوني، في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية "إن الأزمة في ظاهرها قانونية ودستورية وفي باطنها سياسية، وقد انطلقت حتى قبل منح الثقة لرئيس الحكومة هشام المشيشي".
وفي تقدير العجبوني، فإن الأزمة تعود إلى أغسطس الماضي، عندما اجتماع سعيّد مع قادة الأحزاب السياسية، بحضور رئيس البرلمان المنتنمي للنهضة، راشد الغنوشي، لتدارس ملف الحكومة، بعدما فقد سعيّد ثقته في المشيشي وطرح إيجاد مخرج دستوري لتفادي تعيينه رئيسا للحكومة، غير أن النهضة بمعية حليفها حزب قلب تونس، ودعمت المشيشي بل وقايضته بالدعم مقابل الاستجابة لشروطهم.
وإزاء هذا الأمر، اشترط الرئيس سعيّد عدم إجراء تعديل وزاري على حكومة المشيشي، وجاء ذلك في بيان رسمي، والكلام هنا للنائب العجبوني، وتأكدت مخاوف سعّيد بعد أقل من 24 ساعة بتصريح حزب قلب تونس حول اتفاق مع المشيشي لتغيير سبع حقائب وزارية بعد منح الثقة للحكومة.
تدمير للثقة
ويرى البرلماني أن ما حدث "دمر الثقة بين رأسي السلطة التنفيذية بين سعيد والمشيشي، الذي لعب دور الدمية بيد حركة النهضة".
واجتمع المشيشي الخميس مع داعميه في البرلمان: حركة النهضة وحليفيها حزب قلب تونس وائتلاف الكرامة، ويبدو أنهم اتخذوا قرارا بالتصعيد في مواجهة الأزمة، كما ظهر في بيانها، فضلا عن تلويحها بالخروج للشارع والتظاهر، وفق دعوات تتناقلها صفحات مواقع التواصل الإجتماعي.
وأضاف النائب هشام العجبوني أن النهضة تشتغل المشيشي واجهة ليتم التخلي عنه لفائدة تسوية سياسية على أن يدفع وحده ثمن تعنته في مواجهة رئيس الدولة.
وأكد النائب أنها ليست المرة الأولى التي يتورط فيها رئيس الحكومة بتسمية شخصيات عليها شبهات و قضايا فساد.
من جهته، يقول أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، إن "الأزمة في تونس دستورية وسياسية في آن واحد.
وتابع: "تبدو الأزمة في منطلقاتها دستورية لأن رئيس الجمهوية استند إلى الفصل 46 من الدستور الذي ينص على وجود النساء في التحوير الوزاري والفصل 10 المتعلق بمكافحة الفساد حيث لا يقبل أداء اليمين لبعض الوزراء الفاسدون، وبالتالي فالأزمة الدستورية واضحة".
وعلق الخرايفي أن الخيار الإداري الذي ذهب إليه رئيس الحكومة غير صائب، فالمسألة ليست قانونية بل تتعلق بخلاف سياسي حله بيد الائتلاف الحكومي الذي لا يضع مصلحة البلاد قبل المصلحة الحزبية، وكان عليه سحب الوزراء الذين عليهم شبهة فساد لتجاوز أزمة أداء اليمين.
السيناريوهات المطروحة
ومن السيناريوهات المطروحة للأزمة في تونس أن يؤدي تعنت المشيشي إلى استقالته، وبالتالي عودة المبادرة إلى الرئيس سعيّد، وهو ما تخشاه حركة النهضة الإخوانية، بحسب الخرايفي، الذي طرح سيناريو آخر، وهو محاولة النهضة قطع الطريق على الرئيس، بتقديم لائحة لوم وسحب ثقة من رئيس الحكومة وتكليف رئيس حكومة جديد في نفس الجلسة وفرض التوافق عليه.
ومن ناحيته، يرى المحلل السياسي محمد صالح العبيدي في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أن الأزمة القائمة هي أزمة كسب نقاط سياسية بين الخصوم فهي تتجاوز النصوص الدستورية ولا تتعلق بنزاع حول الصلاحيات بين الرؤساء الثلاثة بل ترتبط بإرادات مختلفة بينهم.
وأكد أن الحل لا يوجد داخل أطر النصوص القانونية بل في المفاوضات السياسية والتسويات التي تقتضي بالتنازل بين المشيشي وسعيّد على طاولة الحوار، من أجل تحديد خريطة طريق لإنقاذ البلاد اقتصاديا.
ووصف موقف حركة النهضة بأنه تكتيكي من أجل تحسين شروط التفاوض فهي تتشبث بحكومة المشيشي، رغم علمها أن موازين القوى في الشارع تميل أكثر نحو سعيّد.