سنوات من الإهمال والنزاعات تركت مجال الصحة في ليبيا في حالة حرجة، انعكست بشكل واضح خلال انتشار فيروس كورونا المستجد، بعدما أظهر القطاع عدم قدرته على الاستجابة والتعاطي مع الجائحة.
وقالت مصادر ليبية مطلعة لـ"سكاي نيوز عربية" إن "مسؤولين في وزارة الصحة التابعة لحكومة فايز السراج، أبلغوا منظمة الصحة العالمية أن جميع مستودعات اللقاحات والتطعيمات أصبحت فارغة تقريبا، كما تعاني البلاد من نقص حاد في الأدوية، مما يهدد عشرات الآلاف من الأطفال".
وأشارت المصادر إلى أنه منذ مارس 2020، بدأت أصوات في الوزارة تحذر من "تباطؤ حركة توريد الأدوية واللقاحات عالميا، وبالتبعية نقص الوارد إلى ليبيا، إضافة إلى تأخر الاعتمادات المالية اللازمة للتعاقد على تلك المستلزمات الحيوية والمهمة".
وكشفت المصادر ذاتها، عن قضايا فساد في القطاع الصحي تورط فيها وكيل الوزارة محمد هيثم عيسى، وكان المسؤول الفعلي عنها، حيث غادر ليبيا بجواز سفر مزور نهاية العام الماضي، هربا من اتهامات بـ"اختلاس أموال عامة"، ولم يستدل على مكانه منذ حينها، وفق المصادر.
250 ألف طفل في خطر
وفي 15 أكتوبر الماضي، أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرا من نفاد 4 لقاحات تطعيم للأطفال في ليبيا، مشيرة إلى أن أكثر من 250 ألف طفل دون عمر السنة "عرضة لخطر الأوبئة بسبب النقص الحاد في إمدادات اللقاحات".
في حينها، توقعت المنظمة انتهاء إمدادات اللقاح السداسي خلال أقل من شهر، وهو الذي يحمي من ستة أمراض "الدفتيريا، والكزاز، والسعال الديكي، وشلل الأطفال، والمستدمية النزلية من النوع (ب)، والتهاب الكبد الفيروسي (ب)"، ونفاد لقاح شلل الأطفال الفموي، الذي يعطى عند الولادة وفي عمر 9 أشهر، والحصبة بحلول نهاية العام الماضي.
وبحسب تقرير للمنظمة الدولية، كانت هذه المرة الثانية التي تتكرر فيها الأزمة في العام الجاري، والثالثة خلال عامين "ما يعني أن العديد من الأطفال فاتتهم أو قد تفوتهم جرعات اللقاح المجدولة".
ولفت التقرير إلى استمرار إغلاق خدمات الرعاية الصحية الأولية في ليبيا "نتيجة لنقص العاملين وانقطاع التيار الكهربائي ونقص معدات الوقاية الشخصية ما يؤثر على الخدمات الأساسية".
وبعد مرور شهر على هذا التقرير، ناشدت المنظمة الدولية، في بيان مشترك مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، حكومة السراج "ضمان توفير الموارد المالية دون انقطاع لتأمين إمدادات التطعيم".
وأظهر تقرير صادر من المركز الوطني لمكافحة الأمراض الليبي، أن 200 مركزا من أصل 700 للتطعيم في ليبيا، نفد مخزونها من لقاحات السل، ولديها كميات محدودة للغاية من اللقاح سداسي التكافؤ، وطالبت المنظمتان السلطات المحلية بضمان توفير الموارد المالية دون انقطاع لتأمين إمدادات التطعيم في البلاد.
معضلة موردي الأدوية
وكشف تقرير حديث أيضاً عن منظمة الصحة العالمية، يغطي الاستجابة الصحية في ليبيا للفترة بين 24 ديسمبر 2020 و31 يناير الماضي، عن نقص علاجات "كورونا" والأنسولين وأدوية علاج مرضى فيروس نقص المناعة البشرية والسل، فضلا عن الإمدادات الجراحية.
وأشار إلى رفض الموردين تزويد ليبيا بطلبات جديدة، بسبب عدم تقديم المصرف المركزي في طرابلس عن الاعتمادات المالية لدفع مستحقاتهم، حيث طالب محافظه، الصديق الكبير، بـ"الإفراج الفوري عن الأموال لتجديد الإمدادات الحيوية".
كما تأخرت السلطات الليبية في التعاقد على لقاحات خاصة بفيروس "كورونا"، إلا أنها مؤخرا قدمت 9.7 مليون دولار لتأمين شراء 2.8 مليون جرعة، تكفي 1.25 مليون شخص "بمعدل جرعتين لكل شخص"، بحسب "الصحة العالمية"، أي نسبة أقل من 20% من إجمالي الليبيين.
بدورها انتقدت منظمة "يونيسف" الأوضاع في ليبيا، خلال تقرير صدر مؤخرا، ذكرت فيه أن نحو 348 ألف طفل في ليبيا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية "سواء كان ذلك من عن طريق تقديم الغذاء أو الرعاية الصحية أو الحصول على التعليم".
وقال الممثل الخاص لـ"يونيسف" في ليبيا، عبد الرحمن غندور، إن هناك فرصة كبيرة لتفشي الحصبة وأمراض أخرى يمكن الوقاية منها في ليبيا، والتي تتسبب في الوفيات بين الأطفال، مضيفًا أن هناك حاجة ملّحة لضمان تدفق الأموال دون انقطاع لشراء اللقاحات وسد النقص الحالي.
في حين، أكدت ممثلة منظمة الصحة العالمية في ليبيا إليزابيث هوف، إنه ورغم محاولات المنظمة الحثيثة من استمرار البرنامج الموسع للتطعيمات في ليبيا خلال جائحة كورونا إلا "إنها تواجه عقبات أكثر خطورة، مع نفاد إمدادات اللقاحات، مما يعرض حياة مئات الآلاف من الأطفال في ليبيا للخطر".