"لسنا مرضى أو مجرمين، نحن فنانون ومبدعون ندخن الكيف، كما كان الأجداد يسمونه، وهو مختلف عن المخدرات والمواد المسمومة". هكذا بدأ أيمن الرزقي، منسق حراك من أجل تحرير القنب الهندي أو الحشيش، أو "الزطلة"، كما يسميه التونسيون، حديثه.
ويعمل أيمن ورفاقه في الحراك على تغيير القانون 52 لعام 1992 المتعلق بجرائم استهلاك وترويج المخدرات.
وينص القانون التونسي عدد 52 على عقوبة إلزامية بالسجن مدتها سنة لكل من يدان بحيازة مخدر، وخمس سنوات لمن يعاود ذات الجريمة، وتصل الأحكام إلى حد 10 أعوام سجن لكل من يستغل أي مكان لتعاطي المخدرات أو ترويجها.
ويقول الرزقي في حديث لموقع سكاي نيوز عربية إن "المقاربة العلمية الحديثة في العالم تؤكد أن القنب الهندي أو الحشيش لا يصنف ضمن المخدرات الخطرة والمضرة، ولا يسبب أضرارا صحية أو انحرافات في السلوك لدى الراشدين".
لماذا جاء التجريم؟
أما عن تجريم القانون التونسي استهلاك الحشيش، فيوضح الناشط أن القانون جاء في سياق سياسي خاص أثناء حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وقد تورط شقيق بن علي في التسعينات في قضية دولية كبرى لترويج المخدرات، وتدخل شقيقه بن علي لتجنيبه أحكاما بالسجن، مما أحرج النظام التونسي أمام العدالة الفرنسية، حتى أن فرنسا اتهمت نظام بن علي آنذاك بتبييض تجارة المخدرات.
وفي هذا السياق التاريخي أصدرت تونس القانون رقم 52، الذي يسلط أقصى العقوبات على مستهلكي كل المواد المخدرة لتجاوز فضيحة النظام التونسي وتبييضه.
وأكد الرزقي أن القانون "ليس سوى قانون زجري عمره قرابة 30 عاما، ورغم طابعه الزجري لم يحد من استهلاك المخدرات بأنواعها، فقد انتشرت أكثر، كما لم تثبت حماية هذا القانون للشباب من خطر المخدرات، وقد حان الوقت للتفكير في مقاربات جديدة بعد أن دمر القانون الزجري حياة أكثر من 120 ألف شاب تعرضوا للسجن والوصم الاجتماعي بسبب استهلاك الحشيش".
وأوضح الرزقي أن "القانون التونسي يضع كل المواد المخدرة في نفس السلة، والحال أن هناك اختلافا بين المخدرات الخطيرة والكيميائية والمواد السمية التي يجب تجريم استهلاكها ونبتة القنب الهندي أو الحشيش الطبيعي الذي لا يتم إدخال أي سموم عليه".
ويضيف: "الموضوع إنساني والواقع اليوم يشير إلى أن هناك الكثير من المبدعين والفنانين يستهلكون الحشيش وهم ليسوا عناصر خطيرة في المجتمع، ولا مدمنين ولا حتى مضطربين ووصم مستهلكي الحشيش وتعريضهم للسجن أمر مرفوض".
وبحسب الرزقي "يباع الحشيش في تونس في السوق السوداء من قبل المجرمين والمهربين، وعلى الدولة التفكير جديا في تقنين بيعه على غرار ما فعلته عدة دول أخرى، خاصة وأن مداخيل بيع الحشيش بالمليارات سنويا، فبات من الضرورة تقنين استهلاكه وتجارته بدل سجن الشباب من المستهلكين وتعريضهم للإقصاء الاجتماعي".
مطالب بالتغيير
ويجمع كثير من الحقوقيين والنشطاء على أن قانون تجريم استهلاك المخدرات قانون قاس، ويطالبون بتغييره منذ سنوات.
وقد سبق أن تبنى الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مطلب تعديل قانون جرائم المخدرات، ليتم تقديم مشروع قانون جديد على أساس حق المستهلك في العلاج ورفع العقوبة بالسجن عنه، غير أنه بقي حبيس الأدراج.
وعاد اليوم من جديد للواجهة الحديث عن القانون ذاته والمطالبة بتغييره وتحرير استهلاك الحشيش بسبب حادثة محكمة محافظة الكاف، التي قضت بسجن ثلاثة شبان 30 عاما بتهمة استهلاك الحشيش في ملعب رياضي.
حكم اعتبره كثيرون صادما وقاسيا، غير أنه تأويل مباشر للقانون رقم 52، فقد أحيل الشبان الثلاثة إلى المحكمة بتهمة "تهيئة فضاء عام لاستهلاك مادة مخدرة".
ويقول الناشط في المجتمع المدني من محافظة الكاف شمال البلاد، رمزي الجبابلي، "إن التهمة التي وجهت لأصدقائه سمحت بمضاعفة العقوبة عليهم حتى بلغت 30 سنة من السجن لثلاثة شبان، فيهم العاطل عن العمل ومن يعيش ظروفا اجتماعية صعبة".
ويؤكد الجبابلي أن الحالة النفسية للشبان وأمهاتهم متدهورة، فهم في "حالة صدمة بسبب الحكم المجحف" الذي خلفه "قانون ضد الحياة" وفق تعبيره.
الحاجة إلى مراجعة
من جهته، قال القاضي عفيف الجعيدي، في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، إن "السياسة الجزائية في تونس بشأن استهلاك المخدرات تحتاج للمراجعة، إذ تنبني على مقاربة ردعية وعلى اعتبار المستهلك مذنبا، وهي مقاربة أصبح من الواضح ألا جدوى منها.
فقد ارتفع عدد المستهلكين إلى 200 ألف مستهلك للحشيش رغم القانون الزجري الصارم، لذلك وجب الانطلاق نحو مقاربة تشريعية جديدة تعتبر مستهلك المخدرات ضحية تستحق العلاج".
وأضاف الجعيدي أن "قانون تعديل تجريم استهلاك المخدرات توقف في مجلس النواب بسبب التجاذبات السياسية، وتم تشويه مشروع القانون الجديد على أساس أنه تشجيع لاستهلاك المخدرات".
ومضى يقول: "إن دخول السجن بسبب استهلاك الحشيش كان بوابة للكثير من الشباب للدخول إلى عالم الجريمة والإرهاب، حيث تم استقطابهم داخل السجون نفسها".
وأكد الجعيدي على ضرورة أن يحل نص قانوني جديد مكان القانون 52، ليعطي الأولوية لعلاج المتعاطين للمخدرات وعدم سجنهم أو تنفيذ عقوبات بديلة عن السجن مقابل تشديد العقوبات على المروجين وشبكات تجارة المخدرات.
تجدر الإشارة إلى أن عددا من الأحزاب والسياسيين يتقدمون اليوم بمبادرات تشريعية مختلفة لتنقيح القانون 52، حيث دعت كتلة الإصلاح الوطني لاعتماد مشروع قانون يتخلى عن العقوبات السجنية وتعويضها بخطايا مالية مع الترفيع في العقوبات على المروجين.
المخدرات أصناف
وقال رئيس الجمعية التونسية لطب الإدمان، الدكتور نبيل بن صالح، إن الجمعية تتبنى المطالب ذاتها بتعديل قانون المخدرات لإعطاء الأولوية لفرص العلاج أكثر من مرة.
وأوضح أن "المخدرات تنقسم إلى أصناف خطيرة، وأقل خطورة، وخطورة الحشيش تتعلق خاصة بالأطفال دون 20 سنة الذين لم يكتمل نموهم ويسبب لهم الحشيش اضطرابات في الذاكرة، كما أن استهلاكه يفتح الباب على الإدمان على مخدرات أخرى خطرة".
وأشار المختص في طب الإدمان إلى أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن "التعاطي هو مرض يستوجب العلاج لا جريمة تتطلب الحكم بالسجن".
ودعا الدولة إلى إنشاء مراكز لعلاج مستهلكي المخدرات ومعالجة الظاهرة في إطار سياسة كاملة تفرض علاج المستهلك وتقليص المعروض منها بمحاربة مروجي المخدرات.
وأضاف بن صالح: "يبدو أن الدولة لا تتعامل بجدية مع تجار المخدرات، في المقابل تزج بالمستهلكين في السجن بأحكام قاسية ولا تسمح لهم بالعلاج، رغم أن الطب يؤكد أن الإدمان وتعاطي الحشيش هو مرض مزمن، وأن الانتكاسة في رحلة علاجه واردة، لذلك يستحق المدمن والمتعاطي أكثر من فرصة للعلاج بدل السجن".
وعن مسارات العلاج يقول: "هي مسارات للعلاج النفسي والسلوكي والاجتماعي والجسدي إن تطلب الأمر".
إنقاذ للشباب
من جهتها، تقول الناشطة سهام شفرادي، إنها التقت داخل الأحياء الشعبية مع شباب "دخلوا السجن بسبب تدخين سيجارة حشيش وخرجوا منه مروجين أو مجرمين خطيرين"، مؤكدة أنه "بات ضروريا التخلي عن قانون الردع التهديمي لإنقاذ الشباب".
تجدر الإشارة إلى أن دراسة أنجزتها منظمة "آلارت إنترناشيونال" أظهرت تفشي استهلاك المخدرات داخل المعاهد في تونس، حيث تبين أن أكثر من 9 بالمئة من الطلبة يتعاطون المخدرات.