يسعى عناصر الإخوان المسلمون في السودان إلى التسلل للواجهة مجددا وذلك من خلال إيجاد موطئ قدم لهم في الاحتجاجات المتفرقة في بعض المدن رفضا لتردي الأوضاع الاقتصادية وفي ظل التراخي في التعامل مع العديد من القيادات الإخوانية.
ونشر ناشطون صورا وتسجيلات صوتية لمشاركين وموجهين للمسيرات الاحتجاجية التي شهدتها بعض مناطق الخرطوم ومدن السودان الأخرى، قالوا إنها لقيادات طلابية وسياسية تابعة للمؤتمر الوطني - الجناح السياسي للإخوان المسلمين - بزعامة المعزول عمر البشير القابع حاليا بسجن كوبر شرق الخرطوم.
ورغم أن الكثيرين يقرون بضعف أداء الحكومة الانتقالية الحالية، إلا انهم يؤكدون أن جزء كبير من الأزمة الحالية يعود إلى محاولات عناصر النظام السابق المستمرة والرامية إلى تدمير الاقتصاد عبر تأجيج المضاربات في سوق النقد، الأمر الذي أدى إلى انهيار العملة الوطنية إلى مستوى 320 جنيها للدولار الواحد في السوق الموازي، وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات قياسية قفزت بمعدلات التضخم إلى ما فوق 270 في المئة.
غلق الثغرات
يشدد عدد من شباب المقاومة المنتشرين أمام التروس الحجرية الموضوعة على عدد من الشوارع الرئيسية في الخرطوم على سلمية ومنطقية مطالبهم في ظل الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات وندرتها، وفي ظل التباطؤ في تحقيق العدالة لمئات الشباب الذين قتلوا أمام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019.
وحول المخاوف التي يثيرها البعض عن استغلال عناصر النظام السابق للمظاهر الاحتجاجية الحالية لمحاولة القفز إلى واجهة المشهد من جديد، يقول جدو عضو لجان منطقة الامتداد في وسط الخرطوم لموقع "سكاي نيوز عربية" إن جل من ينظمون هذه الوقفات الاحتجاجية هم من الشباب الذين قادوا ثورة ديسمبر التي كانت أولى شعاراتها تفكيك بنية النظام السابق، لذلك لا يمكن أن يسمحوا لهم بالعودة من الشباك الخلفي مهما بلغ تحايلهم.
ويؤكد جدو أن لجان مقاومة الأحياء تنسق فيما بينها وتدرك تماما محاولات التسلق التي يقوم بها عناصر النظام البائد لذلك فهي قادرة على التصدي لهم.
ويشير شباب لجان المقاومة إلى أن لجؤهم للتصعيد الحالي يأتي بعد استنفاد كل طرق الحوار مع الحكومة وكرد طبيعي لتجاهل صوتهم وعدم الاستجابة لمطالبهم الأساسية المتمثلة في القصاص للشهداء ومحاسبة الفاسدين.
السلوك الإعلامي
اعتبر الصحفي مأمون الباقر أن المنهجية الإعلامية التي اتبعت بعد الثورة ساهمت إلى حد بعيد في تسلل عناصر النظام السابق إلى الواجهة مجددا.
ويرى الباقر أن تلك المنهجية لم ترتق إلى تطلعات الثورة والثوار المتمثلة في تفكيك بنية النظام السابق والقضاء على كل بؤر الفساد وبالتالي توفير البيئة المناسبة التي تستوعب طاقات الشباب وتوجهها نحو البناء.
ويقول الباقر لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الإعلام لم يوجه لمصلحة الثورة بالشكل المتوقع، بل في بعض الأحيان حاد تماما عن نهج الثورة وسلك طريقا مدمرا لها.
ويشير الباقر في هذا السياق إلى أن هنالك أخبار تبثها بعض أجهزة الإعلام الرسمية تعطي انطباعا قويا بأن الدولة هي التي تدعم عودة عناصر الإخوان للواجهة من جديد.
ويدلل الباقر على ذلك بخبر نشرته وكالة السودان الرسمية للأنباء "سونا" قبل نحو يومين عن تكريم أوائل الشهادة السودانية عبر شخص يعتقد على نطاق واسع أنه يلعب دورا لوجستيا كبيرا في تهريب أموال عناصر النظام السابق من خلال مكتبه في اسطنبول.
وبالنسبة للباقر فإن أحد أهم أسباب الخلل في المنظومة الإعلامية الحالية يعود إلى إسناد الكثير من المؤسسات الإعلامية المهمة إلى أشخاص يفتقدون الخبرة والدراية الكافية التي تمكنهم من التعامل مع البيئة الإعلامية المحلية.
ويلفت الباقر في هذا الاتجاه إلى أن وباستثناء وزير الإعلام فيصل محمد صالح المتمرس في البيئة المحلية، فإن ثلاث من قيادات الصف الأول في الأجهزة الإعلامية الرئيسية يفتقدون للخبرة والتمرس اللازمين للتعامل مع منهجية إعلام ما بعد الثورة.
مؤشرات مهمة
يقول النقابي السابق محجوب كناري إن القليل من اللجان دعت للتصعيد، لكن هنالك مؤشرات عديدة لوجود عناصر من النظام السابق تشارك بقوة في توجيه عمليات تتريس "إغلاق" الشوارع.
ويرى كناري، وهو من الذين يمتلكون خبرات تنظيمية في قيادة الاحتجاجات خلال فترات الحكم الشمولي المختلفة، أن بعض الاحتجاجات والمظاهرات تنطلق من أهداف حقيقية تتعلق بسوء الأوضاع المعيشية وزيادة أسعار السلع الاساسية، لكنه يشير إلى أن السلوكيات التي تمارسها المجموعات الإخوانية وبعض لجان المقاومة المزيفة تهدف إلى تشويه الوضع وتثير العديد من التساؤلات.
ويؤكد كناري على وعي شباب الثورة وقدرتهم على إجهاض كل المحاولات الرامية لشيطنة الثورة ولجان المقاومة.
محاولات مستمرة
رغم اعتقاده بعدم وجود فرصة لعودة الإخوان إلى واجهة المشهد السياسي في السودان، إلا أن الإعلامي محمد شمس الدين يرى ضرورة التعامل بجدية مع محلولات الاختراق التي يقوم بها عناصر النظام السابق هذه الايام في محاولة منهم لإجهاض الثورة.
ويقول شمس الدين لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الإخوان ظلوا ومنذ سقوط نظامهم يحاولون استغلال كل الفرص للعودة إلى الساحة السياسية، لكن في كل المرات كانت محاولاتهم تفشل بسبب صعوبة حرف مسار الشارع الذي لفظهم ولم يعد لديه أي استعداد للتعامل معهم مجددا.
ويضيف شمس الدين "الجميع يقرون بالأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد إلا أن هذه الأزمة دون أدنى شك نتاج أفعال النظام البائد الذي مازالت عناصره نشطة في كثير من مفاصل البلاد الاقتصادية خاصة التي تمس معيشة المواطن".
ووفقا لشمس الدين فإن انتهازية عناصر الإخوان في السودان تظهر بشكل جلي من خلال الكثير من المواقف التي تثبت استعدادهم لذلك وتورطهم في افتعال الأزمات، وسعيهم لإشعال الأوضاع الامنية في الشرق والغرب ولولا وعي الشارع لانزلقت البلاد في أتون الحرب الأهلية.