خلَّفَ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تركةً صعبة، يواجهها خلفه جو بايدن، لاسيما فيما يتعلق بالملفات الخارجية، وعلى رأسها أزمات منطقة الشرق الأوسط، مثل الملف السوري الذي شهد جملة من المتغيرات خلال السنوات الأربع الماضية خلال ولاية ترامب.
فكيف سيواجه بايدن هذا الإرث الثقيل؟ وما هي السياسات التي سيتبعها للتعامل مع الملف السوري المشتعل على مدار عشرة أعوام مضت؟
ثمة نُذر مقاربة أميركية جديدة مرتقبة للملف السوري، نظرا إلى وجود رئيس من الحزب الديمقراطي من المرجح أن يتبنى سياسات مغايرة عن سلفه الجمهوري الذي اتخذ جملة من القرارات المؤثرة في الملف خلال سنوات ولايته الأربع، من بينها عملية الانسحاب الأميركي من مواقع شمال شرقي سوريا.
ويرجح محللون في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن ينطلق الرئيس بايدن من أربعة مرتكزات رئيسية، تحدد أجندته في سوريا، أولها العودة لدعم الأكراد شرقي الفرات بشكل أكبر من سلفه ترامب، إضافة إلى ملف الوجود العسكري الأميركي والموقف منه، وكذا مواصلة الحرب على الإرهاب، وأيضاً الموقف من الاتفاق النووي الذي سيحدد كثيراً من معالم السياسة الأميركية في سوريا، وقد يكون ضمن عملية مقاربة أو مقايضة جديدة.
وفي الوقت الذي لم يتحدث فيه بايدن عن استراتيجيات مفصلة بخصوص سياساته في الشرق الأوسط، مكتفياً بإطلاق تصريحات مؤكدة لرغبته في التغيير وإحلال السلام، يُتوقع ألا ينخرط بشكل مباشر في تلك الملفات المشتعلة، وذلك خلال أول عامين من ولايته على أقل تقدير؛ نظراً لوجود جملة من الملفات على سلم أولويات الإدارة الأميركية الجديدة، إلا إذا حدث ما يُعجل بذلك الانخراط.
مقاربة جديدة
وفيما يتوقع محللون مقاربة جديدة للتعاطي مع الملف السوري، مدفوعة بوجود إدارة أميركية جديدة يُنتظر منها اتخاذ جملة من المواقف المغايرة للإدارة السابقة، يشرح الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، طبيعة التغيّرات المتوقعة في الموقف الأميركي إزاء الملف السوري خلال عهد بايدن، بالإشارة أولاً إلى جملة التطورات التي طرأت على تعامل الولايات المتحدة مع الملف خلال عهد ترامب، والتي شملت عملية سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، وتخلي ترامب عن الأكراد الذين ساعدوه في القضاء على تنظيم داعش، ومن ثمّ السماح بالتوغل التركي في شمال سوريا.
ويردف في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، قائلاً: "كان معظم النقد الموجه لترامب من الإدارة الأميركية نفسها آنذاك وحتى من داخل البنتاغون، في ظل رفض قرار سحب القوات".
ويُرجح فرج، الذي شغل منصب مدير إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية سابقاً، أن يلجأ الرئيس الأميركي الجديد إلى طريقة أخرى في التعاطي مع الملف السوري، لاسيما أن الولايات المتحدة "لن تسمح بأن يتواصل التوغل والسيطرة الروسية على الوضع الكامل في سوريا، بعد ما أحرزته روسيا هناك، واحتفاظها بقاعدتين عسكريتين في سوريا، ومن ثمّ فلن تسمح واشنطن في الفترة المقبلة بأن تكون اليد العليا لموسكو في إدارة الأمور في الملف السوري".
كما يرجح أيضاً الخبير العسكري المصري، عودة الدعم الأميركي بقوة للأكراد في سوريا، مشيراً إلى أنه "من الممكن أن يتطور ذلك الدعم، بوجود أميركي آخر في المنطقة، ولربما أقوى، بعد سحب ألفي جندي في عهد ترامب".
خياران
لكن أستاذ العلاقات الدولية بالقاهرة، طارق فهمي، يلفت في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الولايات المتحدة تركت الملف السوري إلى روسيا في إطار مقايضة دولية، ومن الواضح أن الإدارة الأميركية السابقة حددت معالم الحركة لإدارة بايدن.
وأضاف فهمي أن بايدن لم يحدد توجهاً معيناً للتعامل مع الملف السوري، لكنه تحدث عن انخراطه في أزمات الإقليم ومحاولة تصويب مسارها، وهذا سيتطلب بطبيعة الحال جهداً كبيراً من الإدارة الأميركية وليس فقط خطاباً سياسياً أو إعلامياً.
ويحدد فهمي خيارين أمام إدارة الرئيس بايدن إزاء التعامل مع الملف السوري؛ الخيار الأول هو خيار "الانخراط المباشر"، وهو خيار يقول عنه أستاذ العلاقات الدولية إنه "خيار مستبعد تماماً أن يحدث، على الأقل حتى منتصف الولاية الأولى لبايدن" على اعتبار أن الرئيس الأميركي أمامه أولويات عديدة أخرى.
أما الخيار الثاني فمرتبط بـ "إدخال سوريا ضمن المقايضة أو المبادلة الدولية" على حد تعبيره، شارحاً ذلك بقوله إنه "إذا تمت التسوية مع إيران فيما يتعلق بملف الاتفاق النووي، فسيكون لذلك انعكاسات على الملف السوري"، لكنه يلفت في الوقت ذاته إلى أن "الاتفاق النووي لن يكون على رأس أولويات بايدن في الوقت الحالي، وسيمر وقت حتى ينخرط الرئيس وإدارته فيه، أمام الأولويات الموجودة حالياً".
القرارات الأممية
ويرى السياسي والمفكر السوري، رياض نعسان أغا، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "من المُتوقع أن تستمر سياسة الولايات المتحدة على ما هي عليه في موقفها من القضية السورية، وأن تبقى مصرة على تنفيذ القرارات الأممية، خاصة القرار 2254 وبيان جنيف، مع رفضها الانتخابات الرئاسية المقبلة واعتبارها غير شرعية ما لم يتم تنفيذ القرار الدولي".
كما يرجح استمرار تنفيذ قانون قيصر، وربما يتوسع أيضاً، على حد قوله، مردفاً: "ولا أستبعد تحريك ملف استخدام الأسلحة الكيماوية، وهذا كله يتفق مع موقف الاتحاد الأوروبي المعلن، وأتوقع أن ينظر الرئيس بايدن بإمعان إلى موقف مجلس التعاون الخليجي بإيجابية، ولاسيما موقفه الحاسم المعلن في بيان العلا من القضية السورية، عندما تم التأكيد على ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالي حسب تراتبية القرار 2254".
كما يعتقد أغا أن الرئيس بايدن سيتجه إلى معالجة العديد من القضايا الشائكة في العالم بحكمة واعتدال، بوصفه رجل دولة متزنا ومتمرسا، وأن ينشد العدالة والسلام كما أعلن، وربما يكون موقفه صارماً في تعديل الاتفاق النووي مع إيران، وفي منعها من العدوان على الدول العربية وتهديد السلام والأمن في المنطقة والعالم.
ويرجح أيضا أن يعمق صلة الولايات المتحدة بأوروبا وأن يكون وفياً لحلفائه، وأن يجد تسويات مقبولة في العلاقة مع روسيا، وكذا أن يكون أكثر جدية في محاربة الإرهاب ومنع إيران من دعم الإرهابيين والميليشيات الطائفية القاتلة. ويستبعد أغا أن يمضي بايدن إلى أي تصعيد عسكري.
شكوك سورية
لكنّ المحلل السياسي السوري، القريب من الحكومة شريف شحادة، قلل في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" من إمكانية أن تقود الإدارة الأميركية تقدماً في الملف السوري، قائلاً: "نحن في سوريا ننظر إلى سياسة أميركية دائمة في سوريا، وليس إلى رؤساء، وتلك السياسة تنفذ دائما ما تريده إسرائيل (..) خاصة أننا جربنا -في سوريا- سياسة إدارة الجمهوريين (في إشارة لترامب) وسياسة الديمقراطيين (في إشارة لإدارة باراك أوباما) ولم يحدث أي تقدم".
ويقول: "لكننا سمعنا من الرئيس جو بايدن خطاباً رومانسياً حول الأوضاع في العالم، وأنه يريد أن يُغيّر، ونحن ننتظر أفعالاً وليس أقوالا (..) لكن بشكل عام توقعاتنا من الإدارة الأميركية ليست جيدة.. نحن ننتظر أن تؤيد الولايات المتحدة القول بالفعل، وأن تسحب قواتها كافة، وأن توقف قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، وأن تطلب من تركيا الانسحاب.. فهل تفعل ذلك؟ هذا السؤال يطرح على الإدارة الأميركية الجديدة".