تمتلك ليبيا أضخم احتياطيات نفطية مؤكدة في إفريقيا، ومع ذلك وصل عجز الدولة الغارقة في الفوضى منذ سنوات إلى حد أن الخبز أصبح شحيحا، مما ينذر بانفجار شعبي.
وأعلنت نقابة الخبازين وأصحاب المخابز في طرابلس، منذ أيام، الإضراب حتى التوصل لحلول للأزمة، فيما بات توفير الخبز في العاصمة الليبية أمرا عسيرا على سكانها.
ولاحقا، دخلت المخابز في مفاوضات مع الحكومة، لتفتح أبوابها لكن بسعر جديد، أعلى مما كان في السابق، مما أثار تذمرا كبيرا بين السكان.
وتعيش ليبيا حاليا على وقع نقص حاد في الخبز بعد تراجع مخزون الدقيق، مما أدى إلى إغلاق العديد من المخابز.
وكان نقيب الخبازين، سعيد أبوخريص، قد كشف في تصريحات صحفية أن المطاحن رفعت أسعار الدقيق المفروض على المخابز إلى 210 دنانير للقنطار الواحد (نحو 47 دولاراً)، بعد أن كان 155 ديناراً فقط (35 دولاراً) للقنطار، مما أثقل كاهل المخابز، وبالتالي المواطنين الليبيين.
وتلاحق اتهامات الفساد حكومة فايز السراج، ولا سيما في ملف توريدات السلع، لكن السراج لا يرد على هذه الاتهامات، بل حمّل المصرف المركزي مسؤولية "عدم تقدير الأولويات والحاجات مقابل اعتمادات ضخمة تصرف لسلع غير مهمة".
وقال السراج في رسالة وجهها قبل أيام إلى محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، إن "نفاد مخزون القمح يعني دخول البلاد في أزمة غذائية".
وأقر السراج بالنقص الشديد في مادة الدقيق، مما ينذر بدخول البلاد أزمة جديدة.
لكن الصديق الكبير رد بأن الأزمة تعود إلى التهريب، مطالبا السراج بالتحرك إزاء الأمر.
وتحدث الفوضى في الأسعار في ظل غياب الجهات وكذلك الجهات المختصة بتوفير المواد الأساسية، مما أدى إلى نقصان الدقيق، وارتفاع سعر الخبز لأربعة أضعاف منذ العام 2015 وحتى الآن، وفق مدير مركز الأزمة الليبي للدراسات، محمد الأسمر.
أسباب عديدة
ويعزو محللون تفاقم الأزمة إلى حالة الخلاف السياسي التي تلقي بظلالها على المشهد الليبي، والسجال بين حكومة فايز السراج والمصرف المركزي، وجملة القرارات التي لم تجد طريقها للتنفيذ، مما تسبب في تأزم الأمور حتى وصلت إلى الخبز.
ويقول الخبير الاقتصادي الليبي، فوزي عمار، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن من بين أسباب الأزمة التأخر في تنفيذ قرار تغيير سعر الصرف عند 4.48 ديناراً مقابل الدولار، وكذا التأخر في فتح اعتمادات للتجار.
ويشير إلى أن "اجتماع مجلس إدارة المصرف المركزي، أقر تغيير سعر الصرف، وهو القرار الذي لم يتم تنفيذه، ومن ثم لجأت المخابز والموردون للانتظار لفترة طويلة حتى يتم تعديل السعر والبدء في فتح الاعتمادات الجديدة".
وأضاف أن السبب الآخر للأزمة هو الخلاف بين المصرف المركزي وحكومة السراج ممثلة في وزارة المالية.
وأعرب عن اعتقاده أن الأزمة في جوهرها سياسية، وليست أزمة مالية، في ظل ما تتمتع به ليبيا من مخزون استراتيجي، لكن "المشكلة الأمنية والسياسية والخلافات دائماً مما تنعكس على الاقتصاد، كما ألقت بظلالها مؤخراً بشكل واضح على أزمة مادة الدقيق".
أوضاع متشابكة
ويرى مدير مركز الأزمة الليبي للدراسات، محمد الأسمر، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" أن الوضع في ليبيا "متصل ببعضه البعض، إذ لا ينفصل الوضع الاقتصادي عن حالة التردي الأمني والسياسي التي يعيشها البلد".
ويعتبر الأسمر أن أزمة الخبز هي إحدى الأزمات الناجمة عن تداعيات الفساد المستشري، مشيرا إلى المماطلة في تنفيذ الإجراءات الاقتصادية العاجلة، وهذا أدى إلى العجز عن توفير مواد أساسية كمادة الدقيق، وبالتالي ارتفاع سعر رغيف الخبز.
ويرى من بين أسباب الأزمة "عدم فتح اعتمادات لشركات حقيقية، مع فتح اعتمادات لشركات تسيطر عليها الإخوان والميليشيات، ولا يتم توريد تلك السلع إلا بكميات قليلة، حتى وإن تم توريدها بكمياتها الطبيعية يتم بيعها بالسوق الموازية بأسعار مرتفعة".
ويتوقع الأسمر ألا تجد حكومة السراج حلولا ناجعة في ظل السياسات الحالية، وقال: "الوضع الآن ذاهب للتفاقم والأزمة ستكون حادة".
الأمن الغذائي
وبدوره، يقول الخبير الاقتصادي الليبي، علي الصلح، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "المشكلة تكمن في الأساس من عدم وجود الأمن الغذائي، أي بمعنى إهمال الحكومة للأمن الغذائي في ليبيا".
وثاني الأسباب مرتبط بحالة "عدم اليقين" لدى بعض الموردين والتجار للسوق الليبية، لا سيما بعد قرار تعديل سعر الصرف، الأمر الذي يتعلق بالمكاسب والإيرادات التي يمكن أن يحققوها في المستقبل باستيراد السلعة عند السعر الجديد. وذلك في خط متواٍ مع عدم وجود المخزون الكافي من هذه السلعة.
ويلفت إلى أن "مصرف ليبيا المركزي حاول معالجة السياسة النقدية وأهمل بقية السياسات الاقتصادية الأخرى وانعكاسات ذلك على الليبيين والاعتمادات الخاصة بالأمن الغذائي والسلع الأساسية، وانعكاسات ذلك على مستويات المعيشة للمواطن".