شهد اليومان الماضيان بالمغرب تساقطات مطرية مهمة، بلغت في أقصاها حوالي الأربعين ميليمترا بحسب بيانات صادرة عن مؤسسات رسمية مغربية، لتنضاف هذه النتائج إلى مثيلاتها التي كانت قد شهدتها البلاد نهاية الشهر الماضي، وهو ما أنهى حالة الاستياء التي تسببت بها فترة الجفاف.
وكان العديد من الفلاحين في مناطق متفرقة من المغرب قد بدؤوا يعانون موجة جفاف جديدة، بسبب تأخر سقوط الأمطار، قبل أن تعود الآمال من جديد مع التساقطات المطرية بترقب موسم فلاحي جيد، فيما يبشر امتلاء السدود بالآثار الإيجابية على الزراعات المسقية.
وفي سبتمبر الماضي، اجتمعت اللجنة الاستراتيجية لقطاع الفلاحة لمناقشة تدابير مواجهة تأخر سقوط الأمطار، والاستعداد لموسم 2021 الفلاحي، حيث تم دعم الزراعات الخريفية، فضلا عن دعم الإنتاج الزراعي البوري والمسقي، في ظل توقعات قانون مالية 2021 بالمغرب لموسم فلاحي تفوق قيمته المضافة 11 في المئة.
عبد القادر بلحاج، فلاح مغربي يواظب كل سنة على حرث ملكيته الزراعية بضواحي مدينة الدار البيضاء، يقول في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "التساقطات المطرية قد أخرجت الفلاحين من حالة يأس حقيقية"، مؤكدا أن "الظروف المالية التي تسببت فيها جائحة كورونا، وإن كان الحجر الصحي لم يمنع الفلاحين من مزاولة أشغالهم، إلا أن الجفاف قد حال دون ذلك"، مضيفا "أن الفلاحين في العادة يقومون بأنشطة تجارية رديفة ذات صلة بالزراعة خلال سنوات الجفاف، لكن ظروف كورونا جعلت ذلك دون جدوى، فالقدرة الشرائية للمواطنين عموما قد تراجعت".
وأردف ذات المتحدث منبها إلى أنه "لولا هذه التساقطات المطرية الأخيرة لشهدت القرى والبوادي أكبر موجة نزوح نحو المدن"، في إشارة إلى الهجرة التي يتسبب فيها الجفاف وتدفع دائما الفلاحين نحو المدن لممارسة أنشطة صناعية وتجارية بعيدة عن نشاطهم الأصلي، فيما تستمر الحكومة في تأمين الموارد الزراعية للسوق المحلية متحملة كلفات إضافية.
وقال الباحث في السوسيولوجيا القروية والبحث الزراعي، محمد لعتيق، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "المغرب فيه مناطق تتضرر دائما من أي موجة جفاف، وهناك مناطق أخرى لا تعاني هذا المشكل إطلاقا، مثل جهة الغرب التي يوجد مركزها في الرباط، وجهة دكالة الدائرة حول مدينة الجديدة، وجهة سوس الدائرة حول مدينة أكادير"، منبها إلى أن "تأثرها بالجفاف يكون من ناحية تراجع الفرشات المائية وتزايد عمق الآبار وكذا تراجع منسوب مياه السدود".
وأضاف ذات المتحدث أن "تزايد الحديث عن آثار الجفاف تسببت فيه أيضا توجهات المغرب في السنوات الأخيرة إلى دعم المشاريع الفلاحية في مختلف مناطق المغرب، بما فيها توطين زراعات تحتاج الكثير من المياه في أراضي أقاليم وسط المغرب وضواحي مراكش"، وهو ما أعاد بحسب لعتيق معادلة الرهان على الأمطار وتوزيعها المعتدل بين بداية فصل الشتاء ونهايته ووسطه، "من أجل الوصول إلى إنتاج وفير ينعكس على مستوى دخل الفلاحين الصغار وقطيع الماشية وبالتالي وفرة البضائع الزراعية في السوق الوطنية، وبأسعار في متناول عموم المواطنين".
وبدوره قال عمر الكتاني، أستاذ علم الاقتصاد في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن "التساقطات المطرية أطلقت بذور أمل كبير بالنسبة لجميع المغاربة"، عازيا ذلك إلى أن "الفلاحة لا تشكل، فقط 13 في المائة من حجم الاقتصاد المغربي، بل هي أيضا تعتبر النشاط الاقتصادي الذي يعيش منه نحو 40 في المائة من المواطنين المغاربة، وبإمكانه أن يحول نسبة النمو الاقتصادي من 2 في المائة إلى 6 في المائة سنويا، كلما كانت هناك تساقطات مطرية في المستوى المطلوب".
وأكد الكتاني في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "سنة مطرية جيدة في المغرب تعني ارتفاعا ملحوظا في القدرة الشرائية للمواطن المغربي، لأن 40 في المائة من السكان بإمكانها أن تحرك عجلة باقي النشاطات، في القرى والمدن"، لافتا إلى أن "ضعف التساقطات المطرية يؤدي بما يفوق المائة ألف مزارع إلى المدن، وبالتالي تغيير الأنشطة الزراعية".
تساقطات هي إذن توازي مقدار الفرحة التي يقابلها بها المغاربة، فحتى من لا يربطه أي رابط بالنشاط الزراعي، يعنيه أن يبتهج الفلاحون بهطول الأمطار. واقع يفسر الاهتمام الذي توليه الدولة المغربية منذ عقود للنهوض بالقطاع الفلاحي، وهو ما ازدادت وتيرته في العقدين الماضيين مع تقوية البنيات التحتية الزراعية والطاقة الاستيعابية للسدود وإطلاق برنامج "المغرب الأخضر"، في إجابة أيضا عن التحديات البيئية التي يواجهها العالم بأسره، والتي من ضمن مظاهرها مشاكل الجفاف وقلة الأمطار.