تزامنا مع احتجاجات واسعة، طالبت عدد من مناطق دارفور خلال الساعات الماضية بتمديد مهمة بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي "يوناميد" في دارفور إلى حين تشكيل قوة جديدة.

وحذر مراقبون ومختصون من أن يعيد الفراغ الأمني الأوضاع في دارفور إلى مربع الصفر.

ونبه الخبير الاستراتيجي، أمين إسماعيل، من خطورة إنهاء مهمة اليوناميد بدون إجراء عملية تسليم وتسلم مع قوات بديلة متفق عليها.

جنة البراري وسويسرا أفريقيا.. أوغندا

ويقول اسماعيل إن خروج اليوناميد في هذا الوقت الذي يشهد حالة من اهتزاز الثقة يمكن أن يؤدي إلى فجوة خصوصا إذا تأخر تطبيق مصفوفة الترتيبات الأمنية.

ويشدد اسماعيل إلى خطورة الوضع في ظل انشغال الحكومة والأطراف الموقعة على السلام بقضايا تتعلق بتقاسم السلطة وغيرها.

إنهاء مهام

وبعد 13 عاما من تشكيلها لحفظ الأمن في إقليم دارفور، أصدر مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء الماضي، قرارا ببدء إنهاء مهام بعثة اليوناميد التي يبلغ قوامها نحو 6 آلاف فرد اعتبارا من الجمعة، وهو ما اثار مخاوف كبيرة من الفراغ الأمني الذي قد يحدث في الإقليم الذي ظل منذ 2003 يعيش حربا أهلية أدت إلى قتل وتشريد أكثر من 2.8 مليونا من السكان.

ونص اتفاق السلام الموقع في جوبا عاصمة دولة جنوب السودان في أكتوبر الماضي بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية، التي تضم عدد من الحركات الدارفورية المسلحة، على تشكيل قوة مشتركة قوامها 12 ألف فردا من القوات النظامية والحركات المسلحة لحفظ الأمن في دارفور، لكن لم تتخذ خطوات إيجابية في هذا الاتجاه حتى الآن.

وفي هذا السياق، يرى إسماعيل أن هنالك بعض الثغرات في اتفاقية الترتيبات الأمنية، متوقعا أن تؤدي الاحتكاكات السابقة وحالة الغبن في أوساط أهالي الضحايا تجاه بعض القوات الأمنية إلى جعل الوضع في دارفور قابلا للانفجار في أي وقت.

بعثة جديدة

في يونيو الماضي، وافق مجلس الأمن الدولي على إرسال بعثة دولية جديدة للسودان تحت البند السادس بعد أن ظل السودان لأكثر من 15 عاما موضوعا تحت البند السابع ردا على تصرفات نظام المخلوع عمر البشير، الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل 2019، وهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم تتضمن جرائم حرب في دارفور.

ومن المتوقع ان تتيح الآلية الجديدة، للسودان، باعتباره عضوا في الأمم المتحدة، الاستفادة من إمكانيات المنظمة في دعم متطلبات التحول نحو الحكم المدني وإرساء دعائم السلام والأمن.

وعلى الرغم من اعتقاد الخبير الاستراتيجي، إسماعيل بأن البعثة الدولية الجديدة ستساعد في دعم القدرات اللازمة لسد الفجوة التي قد يخلفها خروج قوات اليوناميد، لكنه يشدد على الدور الكبير الذي يجب أن تلعبه الأجهزة الأمنية السودانية في الحفاظ على الأمن في جميع مناطق دارفور.

أخبار ذات صلة

السودان ينشر قوات في جنوب دارفور بعد عنف قبلي
السودان.. هل يغير خروج "يوناميد" المشهد الأمني في دارفور؟

فراغ متوقع

بالنسبة للصحفية، درة قمبو، فإن الفراغ الأمني الذي سينجم عن خروج قوات اليوناميد دون وضع بديل فاعل يمكن أن يعرض العملية السلمية بكاملها للخطر وسيؤدي إلى المزيد من الخسائر البشرية في دارفور.

وتوضح قمبو "ما لم يتم إحلال قوة لحفظ السلام مقبولة من المواطنين في دارفور، سيبقى كل شيء في مهب الريح، بدءا" من أرواح المدنيين وحتى اتفاقيات السلام الخاصة بدارفور نفسها".

وتقول قمبو إنه وقبل خروج قوات اليوناميد من دارفور بدأت تظهر مشاكل أمنية أكبر من تلك التي كانت موجودة، وأن خروجها سيقود إلى المزيد من انعدام الثقة بين المواطنين من نازحين ومزارعين ومستقرين من جهة والقوات السودانية المختلفة بما فيها النظامية القديمة كالجيش والشرطة والجديدة مثل الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا، والمتهمة سابقاً في ارتكاب أعمال ضد المدنيين وضد قوات اليوناميد نفسها.

وتصف قمبو الوضع الحالي بالخطر، وتقول "بعض القوات تمارس تفلتات وأعمال خارجة عن القانون حتى في قلب العاصمة الخرطوم، فما بالك بدارفور البعيدة عن العين وربما قلب الحكومة المركزية وأطرافها".

وتتوقع قمبو أن تستمر حالة الريبة والشك في أي تحركات أمنية محلية بصرف النظر عن وجود نزاعات أو عدمها.

وتوضح "حالة الريبة والشك من المواطنين تجاه أي سلطة في السودان يجعل القابلية لسوء التفسير لأي تحرك أو نشاط لأي طرف مسلح ذي صبغة رسمية، محركا للتوتر وبالتالي احتمال نشوب الصراع أو الاستدراج للعنف، وبشكل سريع وسهل".

آثار خطيرة

ويعبر موسى داود يحي رئيس منظمة تسامح للإعلام التنموي عن ذات المخاوف التي تنتاب قمبو، ويحذر من الآثار السلبية الخطيرة التي قد تنجم عن الخروج المتعجل لقوات اليوناميد.

ويؤكد أن خروج قوات اليوناميد قبل إيجاد بديل أمني فاعل وموثوق على الأرض سيضر بالعملية السلمية في دارفور وتحديداً بإنسان المعسكرات وذلك نظرا لهشاشة الأوضاع في المنطقة.

ويوضح "الوضع في دارفور هش من حيث البنية الأمنية الآن، فعمليات القتل والاختطاف لا تزال مستمرة على الرغم من وجود اليوناميد".

ويرى يحي أن من الضرورة العمل من أجل ضمان عدم مغادرة هذه القوة قبل وضع ترتيبات بديلة وذلك حفاظاً على سلامة إنسان المعسكرات.

ويشير يحي إلى أن ترسيخ الأمن والسلام في مناطق دارفور يحتاج إلى عمل كبير من كافة الأطراف خصوصا أن المنطقة تشهد توترات قبلية عالية وتحتاج إلى جهود كبيرة لرفع الوعي والتنوير بأهمية التعايش وقبول الآخر ومفهوم الشراكة الوطنية.

انعدام الأمن

ويبدو الشعور بانعدام الأمن هو القلق الأكبر لدى سكان دارفور، فوفقا لمنى سيف الدين ممثلة أصحاب المصلحة في دارفور فإن شعور سكان دارفور بانعدام الأمن والخوف من تكرار سيناريوهات السنوات الماضية هو المحرك الرئيسي وراء الاحتجاجات الحالية المطالبة بتمديد مهمة بعثة اليوناميد.

وتقول سيف الدين إن ثقة النازحين والمتضررين من الحرب تراجعت كثيرا بسبب عدم وجود خطوات عملية على الأرض وانزواء قادة الحركات الموقعة على اتفاق السلام في الخرطوم وعدم اهتمامهم بالجلوس مع أصحاب المصلحة الحقيقيين خصوصا في ظل تزايد التفلتات الأمنية في الكثير من مناطق دارفور.

وتشدد سيف الدين على ضرورة التعامل مع البعد الأمني في دارفور بالجدية اللازمة والإسراع في تشكيل قوات مهنية عالية التدريب وموثوق بها من أهل المنطقة.