أصدر قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، الخميس الماضي، بطاقة إيداع بالسجن في حق رئس حزب قلب تونس نبيل القروي، على خلفية تهم فساد، وسط تساؤلات حول مستقبل التحالف الذي يربط حزبه بحركة النهضة في البرلمان والحكم، على حد سواء.
وصدر قرار القضاء بحق نبيل القروي، بعد الاستماع إليه بشأن شبهة تبييض الأموال المتعلقة بعدد من شركاته. ورأى مراقبون أن مواجهة القروي لتهم بالفساد و تبييض الأموال يحرج حركة النهضة، وقد تكون له تداعيات مباشرة على مستقبل الحكومة التي يشكل حزب "قلب تونس" أبرز مكونات حزامها السياسي.
وذهب البعض إلى حد توقع انهيار حزب قلب تونس و تفككه، واتجاه بعض نوابه نحو الانصهار في أحزاب أخرى على غرار "آفاق تونس" و "تحيا تونس".
وتتضارب هذه التقديرات، فيما نفى حزب قلب تونس، خلال ندوة صحفية، تورط رئيسه في قضايا فساد، معتبرا ما يواجهه من تهم "جزءا من الخصومات السياسية الدائرة"، في إشارة إلى الكتلة الديمقراطية ولرئيس الجمهورية قيس سعيد.
النهضة في مأزق
وتبدو حركة النهضة الأكثر حرجا أمام الرأي العام بسبب ما يجري، حيث تتجه إليها أصابع الاتهام في التغطية على حليف يواجه تهم الفساد؛ وهي بذلك أمام خيارين، فإما فك رباط تحالفها مع قلب تونس وبالتالي تراجع نفوذها البرلماني، أو مواصلة الدفاع عن القروي الموجود قيد الإيقاف.
ويرى المحلل السياسي، محمد صالح العبيدي، أن سجن القروي قد يذهب بحزب "قلب تونس" نحو فقدان التأثير داخل المشهد البرلماني، وبمرور الأيام سيتبيّن أنه ككل الأحزاب التي نشأت بإرادة شخص واحد تنتهي بنهاية الشخص، قضائيا أو سياسيا.
وشدد العبيدي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، على أن الصفقة بين حركة النهضة والقروي انتهت بسجنه، موضحا أن الصفقة تمثلت في "إدخال حزب قلب تونس ضمن دائرة اللعبة لفرض توازنات سياسية، تمكّن حركة النهضة من المحافظة على موقعها والإطاحة بحكومة إلياس الفخفاخ، مقابل أن يصوّت نواب قلب تونس لصالح بقاء راشد الغنوشي في منصب رئيس البرلمان، حينما طرحت لائحة سحب الثقة منه".
وأكد الباحث السياسي أن "الترتيبات ستتغير خلال الأيام المقبلة بشكل كامل"، قائلا: "بدأنا نسمع أصواتا تنادي بإعادة ضبط قواعد اللعبة، وطرح لائحة سحب الثقة من الغنوشي من جديد".
وأوضح المحلل أن معالم كتلة "قلب تونس" في البرلمان ستشهد تفككا في الأيام القادمة، كما أن حركة النهضة تبدو اليوم دون سند برلماني قوي وحتما ستكون أضعف، حتى أن زعيمها الغنوشي يبدو الآن في موقع هش.
تحالف هش
من جانبه، قال الأمين العام لحركة الشعب والنائب عن الكتلة الديمقراطية في مجلس النواب، زهيّر المغزاوي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن إيقاف رئيس حزب قلب تونس مسألة تهم القضاء، وأن "المتهم يبقى بريئا حتى تثبت إدانته".
وطالب بأن تتوفر شروط المحاكمة العادلة للقروي، قائلا إن المعركة ضد الفساد هي أم المعارك التي تخوضها تونس، فضلا عما أسماها "معركة تحرير القضاء" وتأكيد استقلاليته، واصفا إياها بمعركة تحرير تونس من قبضة الإرهاب والفساد.
وفي تعليقه على تأثير قضية القروي وسجنه على الائتلاف البرلماني بين حزبي النهضة وقلب تونس، قال المغزاوي: "لقد كان ائتلافا هشا منذ البداية، لأنه قائم على مصلحة متبادلة تمثلت في مصلحة رئيس حركة النهضة في أن يستمر رئيسا للبرلمان، فكلفه ذلك ما كلفه، مقابل مصلحة رئيس حزب قلب تونس، الذي كان يبحث عن حليف يغطي على ملفاته القضائية، وقد اعتقد حينها أن النهضة يمكن أن توفر له الحماية فيما يتعلق بملفات الفساد".
وتوقع المغزاوي أن يتصدّع هذا الائتلاف قريبا، وأن تبرز تغييرات في الخارطة السياسية داخل البرلمان، وحتى على المستوى الحكومي.
وأضاف النائب أن حركة النهضة كانت تمارس "النفاق السياسي" دائما، إذ أصدرت بيانا تعبر فيه عن مساندتها لحزب قلب تونس ضد ما يتعرض له من تشويه، وفق تعبيرها.
وأوضح قائلا: "نعلم جيدا أن أكثر طرف قام بتشويه حزب قلب تونس ورئيسه هو حركة النهضة، خلال الفترة الانتخابية قبل أكثر من سنة، عندما نعت قياديو النهضة، الحزب بالفاسد، واتهموه بالفساد المالي والسياسي وأطلقوا عليه تسمية "حزب المقرونة" (في إشارة إلى توزيعه لمساعدات عينية من أغذية وأغطية للناخبين في عدة مناطق ريفية في البلاد)، ثم تحول فجأة إلى حليف لحركة النهضة و رئيسها".
وذكر المغزاوي أن حركة النهضة "تمارس دائما الأسلوب السياسي نفسه، وقد قامت بذلك في السابق مع حركة نداء تونس، عندما قال الغنوشي إنها أخطر من السلفية، وبعد ذلك، أصبحا حليفين في الحكومة ومجلس نواب الشعب".
وأضاف النائب عن الكتلة الديمقراطية، أن حركة النهضة "حزب يمارس النفاق السياسي دائما ويتحدث عن الموقف ونقيضه، ومشكلته الوحيدة ليست محاربة الفساد أو أي من قضايا الوطن، وإنما يهمه استمرار الغنوشي على رأس مجلس نواب الشعب، وحماية مصالحه وضمان موقعه في السلطة والحكم".
قضية فساد "فعلية"
من جانبه، قال الناشط في منظمة "أنا يقظ i-watch "، أشرف عوادي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن مختلف أطوار القضية التي رفعتها المنظمة ضد القروي، تتعلق بالتهرب الضريبي للأخوين نبيل وغازي القروي. ومنذ سبتمبر 2016، تم إيداع قضية في الغرض لدى محكمة تونس، ثم أحيلت القضية إلى القطب القضائي المالي الذي قام باستدعاء المنظمة كشاهد في أبريل 2017.
وخلال سنة 2018، تم الاستماع للقروي لأول مرة، وفي يونيو 2019 تم منعه من السفر وجمدت أمواله، وبعد شهر تم سجنه لمدة ثم أطلق سراحه.
وفي وقت لاحق، استعان قاضي التحقيق بخبراء ماليين ومحاسبين. وفي ديسمبر 2020، انتهى الخبراء من إعداد تقرير الاختبار وقدموه إلى قاضي التحقيق الذي سمح بإيقافه.
وأكد العوادي أنه "لا وجود لشبهة سياسية وراء ملف القروي"، الذي أحيل للقضاء ليقول كلمته في شأن رئيس حزب "قلب تونس" وصاحب ثاني أكبر كتلة في البرلمان، وشقيقه النائب غازي القروي.
وأشاد العوادي بدور قاضي التحقيق في هذا الملف، قائلا إنه يواجه "ضغوطا كبيرة" لمواصلة العمل، معبرا عن التزام منظمة" أنا يقظ" بترك الأمر برمته للقضاء، ونأيها عن توظيف الملف في الخلافات السياسية.