بعد اختطافها من سنجار بالعراق على يد تنظيم داعش الإرهابي في أغسطس 2014، انتهى المطاف بالناجية الأيزيدية شريهان رشو، إلى الاحتجاز في غياهب سجن "عقاب" في مدينة إدلب السورية.
"عقاب" لم يكن سجنا عاديا، بل عبارة عن سوق نخاسة تديره تركيا، حيث عاشت شريهان عيشة "السبايا"، وعانت من الرعب خلف قضبان سجونه الممتدة من بلدة كنصفرة حتى دير سنبل واحسم وسط جبل الزاوية، حيث تديره جبهة النصرة والمعروف بهيئة تحرير الشام، المدعومة من تركيا وقطر.
تفاصيل صادمة ترويها شريهان "23 عاما" بعد استرقاقها وشقيقها المعاق وجارتها، على يد جيران عراقيين انضموا لتنظيم داعش الإرهابي، وصوبوا رصاصاتهم الأولى لصدور من عاشوا معهم في مدينة سنوني، التي تتحدر منها الشابة الأيزيدية.
وتستذكر الفتاة الأيزيدية في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية"، رحلات الموت التي عاشتها مع التنظيم الإرهابي بين سوريا والعراق، لتعصف بها الأقدار في سجن الموت الذي يرعب اسمه مدينة إدلب.
البداية من العراق
تمدد داعش قبل 6 سنوات في قرى وبلدات شنكال، الموطن الأصلي للأيزيديين في العراق، ودفعتهم عمليات الإبادة الدموية المروعة إلى الاحتماء بالجبل هربا من الموت والمجازر كما تقول شريهان.
البداية كما ترويها شريهان كانت على يد "الشيخ سالم الجزراوي" جارها العراقي الذي انضم إلى تنظيم داعش الإرهابي، مضيفة: "كانت أصوات الرصاص والتكبير تعم في كل مكان ببلدتي، هرعنا من الخوف أنا وأمي وشقيقي المعاق سالم، وجارتي شيرين باتجاه الجبل لنحتمي به، لكن دورية لمسلحي لداعش بينهم جيراننا كانت تتربص بنا، وأخذتنا رهائن بعد قتل أمي، إلى قرية خانصور".
أسواق الرق
بالسياط والعصي والحرمان والجوع والخوف قضت شريهان التي كانت في السادسة عشر من عمرها آنذاك، أيامها مع آلاف الأيزيديات اللواتي تم جمعهن من عدة قرى منها: تل قصب، ورمبوسي، وكوجو، وتل بنات، وخانصور، ليتم اقتيادهن عبر حافلات إلى الموصل والرقة.
وقالت شريهان لموقع "سكاي نيوز عربية" إن 3 تجار رقيق تذكرهم بألقابهم وهم: أبو حمزة، وأبو موسى، وأبو هاجر، كانوا أول من باعوهم في أسواق النخاسة بالعراق، بعد إجبارها و19 شابة أيزيدية على ارتداء ثياب غير محتشمة.
واقتيدت شريهان إلى مزرعة كان يتملكها أبو سعيد، وهو أول من اشتراها واغتصبها، وتابعت قائلة: "حين علم بحملي، لكم بطني بحذائه العسكري لكمة قوية أجهضت الجنين بعدها، وكدت أن أفقد حياتي من شدة النزف، وتمنيت الموت كي ارتاح من عذاباتي".
وتواصل الناجية الأيزيدية سرد قصتها، وتقول: "باعني أبو سعيد مرة أخرى لأبو عبد الله وأبو خطاب الجزراوي وبعدها لأبو أنس العراقي، لتنتهي بها صفقات البيع في منزل أبو ناصر الشامي كخادمة وعبدة جنس".
سجن العقاب.. سوق النخاسة التركي
عمليات بيع لم تعد تحصيها الناجية شريهان بين العراق والموصل، لكن آخرها كانت رحلة العبور من الرقة باتجاه مناطق جبهة النصرة في مدينة إدلب.
هذه المرة اشتراها تجار الرقيق من الجبهة وهما، أبو عبد الله الداغستاني وأبو خالد العراقي اللذان قدما من إدلب إلى الرقة، ثم توجهوا عبر ريف حماة إلى جبل الزاوية.
وبحسب رواية شريهان، فقد باعها مالكها إلى الداغستاني والعراقي، والأخير احتجزها في سجن "العقاب" الذي وصفته بالجحيم.
وأضافت قائلة: "كان سجنا كبيرا جدا بغرف كثيرة ومعتمة، لا صوت يعلو فوق أصوات صرخات المعذبين داخله، لاسيما النساء (الكافرات الملحدات) بنظر السجانين"، وتابعت: "كان سوق نخاسة تباع وتشترى فيه النساء الكرديات والأيزيديات والمسيحيات، وحتى نساء عربيات سوريات كن محتجزات خلف قضبانه".
ويقع سجن "عقاب" الأثري تحت الأرض بين منطقتي كفرنبل والبارة في جبل الزاوية، وبحسب نشطاء من مدينة إدلب كشفوا لـ"سكاي نيوز عربية" عن وجود سجون عدة لجبهة النصرة الإرهابية في المدينة، لكن سجن "عقاب" تشرف عليه وتديره الاستخبارات التركية.
من جانبه، تحدث أبو عمر الأدلبي، متزعم فصيل لواء الشمال الإدلبي الذي ينحدر مقاتلوه من مدينة إدلب وريفها، لـ"سكاي نيوز عربية"، واصفا "سجن عقاب" بـ"سجن الموت".
وأوضح قائد فصيل لواء الشمال الإدلبي، الذي ينضوي تحت قوات سوريا الديمقراطية لـ"سكاي نيوز عربية"، أن: "سجن عقاب مبنى قديم أثري له العديد من الغرف، تستخدم كزنزانات لسجن أشخاص تنتقيهم الاستخبارات التركية داخلها، ويضم ساحة كبيرة تحت الأرض للتحقيق والاستجواب، تحت أبشع وأقذر أنواع التعذيب في حق الإنسانية".
وأشار الإدلبي إلى أن "هذا السجن يترأسه شخص يدعى (أبو تراب جبهة) وهو سوري الجنسية، ومن الأشخاص المعروفين بالتشدد والإرهاب".
وكشف عن "وجود حوالي 50 سيدة محتجزة في السجن"، موضحا: "بينهن كرديات من عفرين وأيزيديات وعلويات ومسيحيات، يعذبن كنزلاء السجن من الرجال بالصعق الكهربائي، كما يتم اغتصابهن باعتبارهن كافرات".
وتحدث الإدلبي عن وجود محتجزين في "عقاب" منذ 2013 مبينا أنه سجن مدعوم من جماعة الإخوان والحكومة التركية التي تعطي الأوامر بقتل أشخاص أو تمديد حجزهم إلى أجل غير مسمى.
وبحسب تقارير دولية فإن تنظيم داعش الإرهابي استرّق في أغسطس 2014، أكثر من 6 آلاف من النساء والأطفال.
وأشارت التقارير أيضا إلى أن هناك أكثر من 8 آلاف أيزيدي في عداد المفقودين، بجانب تشريد نحو 350 ألف منهم في مخيمات النزوح شمالي العراق.