تحشد الميليشيات المتصارعة في طرابلس، مزيدا من مسلحيها، بما ينذر بدخولها حرب "تكسير عظام"، أكثر ضراوة مما سبق، وكل ذلك في خضم صراع أمراء الحرب للسيطرة على عاصمة ليبيا الغارقة في الفوضى منذ عام 2011.
وأفادت مصادر بأن ميليشيا ما يسمى "ثوار طرابلس" بقيادة هيثم التاجوري بالعاصمة دفعت بمزيد من القوات، في محاولة لإخراج الميليشيات التابعة لمدينة مصراتة، التي دخلت إلى هناك بتعليمات من وزير الداخلية في حكومة طرابلس، فتحي باشاغا، المنحدر هو الآخر من مصراتة.
ويعمل التاجوري على محاولة لم شمل حلفائه من الميليشيات وجماعات الجريمة المنظمة لدعمه ضد باشاغا وميليشيات طرابلس.
وبدا أن رئيس حكومة طرابلس، فايز السراج، أقرب إلى التاجوري، وهو ما أرجعه مراقبون لرغبة الأول في تحجيم دور وزير داخليته، الذي لم يخفِ طموحه في رئاسة الحكومة المقبلة.
وبدأت تظهر الإشارات على موقف السراج، بعد قراره بشأن ميليشيا الردع، الأكثر تسليحا في طرابلس، إذ أمر بإعادة تنظيم جهاز "قوة الردع"، بقيادة عبد الرؤوف كاره، ليصبح تابعاً مباشرة لرئيس حكومة طرابلس، على أن تكون له ذمة مالية مستقلة، بعيدا عن وزارة الداخلية التي يترأسها باشاغا.
ومنح القرار جهاز "قوة الردع" اختصاصات واسعة، بالإضافة إلى تبادل المعلومات مع الأجهزة الإقليمية والدولية.
ورحبت قوة حماية طرابلس (مجموعة من ميليشيات العاصمة) بالقرار، واعتبرته، في بيان، أنه "سيكون له أثر واضح في مكافحة الجريمة المنظمة وتتبع مرتكبيها وكشف الأيادي السوداء التي تنسج المؤامرات في سراديب الظلام".
والعلاقة بين السراج وباشاغا أصبحت متوترة ، خاصة بعد رغبة الأخير في تولي رئاسة الحكومة المقبلة، بعد النتائج التي توصلت إليها البعثة الدولية في ليبيا وتقضي بتولي رئيس المجلس الرئاسي من الشرق ورئيس الحكومة من غرب البلاد لإدارة المرحلة الانتقالية لحين إجراء الانتخابات في ديسمبر 2021.
ويعمل السراج جاهدا على استمرار بقائه بالمجلس الرئاسي وأن تكون الحكومة لشخصية من الشرق.
استعدادات وتأهب
وفي هذا السياق، أفادت مصادر لموقع "سكاي نيوز عربية"، بعقد التاجوري لنحو 3 اجتماعات مع قادة عدد من الميليشيات في مدن: طرابلس، والزاوية، والعجيلات.
وتابعت المصادر، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن الهدف من تلك الاجتماعات هو رغبة التاجوري وبعض الميليشيات إخراج ميليشيات مصراتة من طرابلس، بعد تمكينهم من دخول أكبر المقرات العسكرية في طرابلس.
يشار إلى أن ميليشيات مصراتة كانت قد دخلت العاصمة بأوامر من باشاغا لصد محاولة الجيش الليبي عن تطهير العاصمة الليبية في عمليته العسكرية التي أطلقها في أبريل 2019 ضد المليشيات، وظلت متمركزة هناك.
هذه المقرات، وفق المصادر، في عين زارة وفي قصر بن غشير (مقر تجمع المرتزقة السوريين)، مضيفة بقيام ميليشيات مصراتة باستغلال وجودهم للسيطرة على أراضي بطرابلس.
من جهة أخرى، وفي محاولة لحشد أنصاره، التقى فتحي باشاغا بقائد ما يعرف بالمنطقة العسكرية الغربية أسامة الجويلي، وذلك رغم الخلافات بين الجانبين، وعقد لقاء الإثنين الماضي.
وزعمت وزارة الداخلية بحكومة السراج أن اللقاء جاء للتباحث حول عدة موضوعات عسكرية، فيما يخص الدعم العسكري والأمني والتعاون الثنائي، وكذلك استعراض الوضع السياسي والأمني داخل البلاد.
ويرى مراقبون أن السبب الحقيقي من وراء اللقاء هو طلب دعم الجويلي في التحضيرات الجارية لحرب الميليشيات في طرابلس بين باشاغا والتاجوري.
معركة تكسير العظام
المحلل السياسي الليبي عبد الحكيم معتوق، يرى أن الخلاف بين المليشيات قديم ولكنه متجدد.
ولفت إلى أن العاصمة طرابلس شهدت اشتباكات عديدة بين المليشيات كان أبرزها، اشتباكات أغسطس لعام 2018، والتي دامت لنحو شهر وخلفت مئات من القتلى والجرحى.
وتابع معتوق، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "يبدو أن السراج لا يزال متألما بعد الضغط عليه من قبل تركيا وميليشيات مصراتة لإعادة باشاغا إلى منصبه بعد أسبوعين من قرار استبعاده في أغسطس الماضي".
وأوضح أن تحركات باشاغا زادت الأزمة مع السراج، حيث بدأ اتصالاته المباشرة مع الأمم المتحدة وفرنسا ومصر وروسيا، وكأنه دولة داخل الدولة، مستند في ذلك إلى منطقته (مصراتة) التي تشكل عقبة لرئيس الوفاق في أي قرار قد يتخذه.
وأضاف معتوق أن وزير الداخلية يعمل جاهدا لتحقيق طموحه في رئاسة الحكومة، وأطلق وعوداً لداعميه الرئيسيين تركيا وقطر للعمل وفق أجندتهما، بجانب إجرائه مقاربات مع المجموعات المسلحة (مثل قوة الردع).
ولفت معتوق إلى أن طرابلس على صفيح ساخن، موضحا أن هناك قوة عسكرية ربما شكلت تحالفا براغماتيا مؤقت مع مدن أخرى مثل: الزاوية وغريان، في مواجهة الجيش الليبي عند دخوله العاصمة.
وشدد المحلل الليبي على أن الصراع في طرابلس حاليا عنوانه "السراج - باشاغا"، الذي بات يقترب من مواجهة عسكرية.
واعتبر معتوق أن السراج يبدو وكأنه لا يريد الحرب، لكنه وميليشيات طرابلس يريدون الحفاظ على مكاسبهم وسيطرتهم على مفاصل الدولة في طرابلس.
ورأى أن معركة طرابلس، في حال نشوبها بين الميليشيات، ستكون "معركة تكسير عظام".
استغلال للظرف الدولي
بدوره، يرى الباحث السياسي الليبي عز الدين عقيل، أن ما يحدث في طرابلس هو استغلال للظرف الدولي، الذي يؤكد أن ليبيا خرجت من ذاكرة المنظومة الدولية.
وأوضح عقيل في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الولايات المتحدة هي المايسترو في إدارة الأزمة، وطالما أنها لم تعد طرفا فإن الجميع ينتظر الرئيس الجديد جو بايدن ليتسلم مقاليد الأمور في البيت الأبيض ويحدد سياسة أميركا تجاه ليبيا".
وتوقع عقيل أن تعتمد سياسة بايدن على إعادة تسليم ليبيا للاتحاد الأوروبي، لافتا إلى أن الحزب الديمقراطي الأميركي علاقاته جيدة بأوروبا، وأن الأزمة الليبية أصبحت على الهامش بالنسبة لأميركا.
وشدد على أن خسارة ترامب في الانتخابات أحدثت زلزالا في الأزمة الليبية، وأعادها إلى المربع الأول، وبالتالي العودة للعنف أصبح وارد جدا.
واعتبر أن الميليشيات باتت تستغل ذلك الفراغ الدولي لتصفية الحسابات بينها، ضمن تحركات تؤثر سلبيا على محاولات ومسارات التسوية السلمية للأزمة الليبية.