تتزايد المخاوف في إقليم دارفور غربي السودان من حدوث فراغ أمني، وذلك مع قرب خروج البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لعمليات السلام "يوناميد" في نهاية ديسمبر من الإقليم، الذي ظل يشهد منذ 2003 واحدة من أعنف الحروب الأهلية في العالم والتي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف قتيل، وأجبر بسببها نحو 4 ملايين شخص على النزوح إلى معسكرات جماعية بحثا عن الأمان.
وتظاهر، الأحد، المئات من سكان معسكر "كلمة" للنازحين في الإقليم، مطالبين ببقاء القوات الدولية لحمايتهم في ظل استقطاب أمني وسياسي ملحوظ على الرغم من توقيع اتفاق سلام في أكتوبر، بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلحة التي خاضت الحرب.
ولا يستبعد الخبير الاستراتيجي، أمين إسماعيل، أن تؤدي الاحتكاكات السابقة وحالة الغضب في أوساط أهالي الضحايا تجاه بعض القوات الأمنية إلى جعل الوضع في دارفور قابلا للانفجار في أي وقت.
لكن إسماعيل يشير إلى أن من واجب الدولة حماية المدنيين، مؤكدا أن البعثة الدولية الجديدة قادرة على سد الفجوة، التي قد يخلفها خروج قوات اليوناميد.
وأنشئت "اليوناميد" في يوليو 2007 بقرار من مجلس الأمن الدولي، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك لحماية المدنيين وتيسير إيصال المساعدة الإنسانية التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة والجهات المعنية الأخرى وضمان سلامة وأمن موظفي المساعدة الإنسانية.
وتنتشر قوات البعثة المكونة من نحو 26 ألف فرد في 35 موقعا موزعة عبر سائر أنحاء ولايات دارفور.
مطلب طبيعي
يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، عبدة مختار، أن من الطبيعي أن يطالب سكان المعسكرات بحماية دولية في ظل الهشاشة الأمنية التي تعيشها مناطق الحرب وحتى مدن البلاد الكبرى.
ويقول مختار لـ"سكاي نيوز عربية" إنه ليست هنالك ضمانات كافية لتطمين النازحين على أمنهم بعد خروج قوات اليوناميد، خصوصا في ظل السيولة الأمنية وعدم هيكلة وتوحيد القوات الوطنية وتسليحها بعقيدة عسكرية تضبط سلوك تلك القوات وتستعيد ثقة سكان مناطق الحرب فيها.
وينبه مختار إلى أن المخاوف التي عبر عنها سكان معسكرات النازحين خلال الأيام الماضية تعكس الشعور بأهمية الخطوة التي اتخذها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك والمتمثلة في طلب البعثة الدولية المختلطة، والتي يعول عليها كثيرا في تنفيذ أجندة السلام والمساعدة في بناء القدرات.
بعثة جديدة
ووافق مجلس الأمن الدولي في يونيو بالإجماع على إرسال بعثة دولية جديدة للسودان تحت البند السادس بعد أن ظل السودان لأكثر من 15 عاما موضوعا تحت البند السابع ردا على تصرفات نظام المخلوع عمر البشير، الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل 2019، وهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم تتضمن جرائم حرب في دارفور.
ومن المتوقع ان تتيح الآلية الجديدة، للسودان، باعتباره عضوا في الأمم المتحدة، الاستفادة من إمكانيات المنظمة في دعم متطلبات التحول نحو الحكم المدني وإرساء دعائم السلام والأمن.
وتضمن الطلب الذي بعث به حمدوك في يناير المساعدة في دعم تنفيذ متطلبات الفترة الانتقالية، وبناء قدرات المؤسسات الوطنية.
وبعد مشاورات داخلية تم إرسال طلب معدل في فبراير تضمن توفير الدعم لمفاوضات السلام، ودعم عمليات تعبئة المساعدات الاقتصادية والتنموية وتنسيق وتسيير المساعدات الإنسانية ودعم جهود بناء القدرات وإصلاح الخدمة المدنية، إضافة إلى تقديم الدعم التقني والمادي وتسهيل عمليات نزع السلاح والتسريح وإدماج المقاتلين السابقين في المجتمع.
ويتضمن الفصل السادس 6 مواد تركز على معالجة النزاعات بالطرق وتعزيز بناء السلام عن طريق أليات دولية من بينها مفوضية بناء السلام، وصندوق بناء السلام الذي يتبع مباشرة للأمين العام للأمم المتحدة. ويساعد هذا البند في حل النزاعات بالتسويات والطرق السلمية.
بؤر توتر
وعلى الرغم من توقيع اتفاق السلام، لا تزال هنالك العديد من بؤر التوتر في المناطق المحيطة بجبل مرة ومعسكرات النازحين.
وتعهدت الشرطة السودانية بتوفير التأمين والحماية الكاملة للمدنيين وتأمين قرى العودة الطوعية، وجميع مراحل عودة النازحين واللاجئين بولايات دارفور عقب خروج البعثة.
لكن الناشط الدارفوري، موسى داؤود، يرى أن مخاوف النازحين وسكان المناطق المتأثرة بالحرب مبررة بسبب فقدان الثقة في المنظومة الأمنية السودانية، بجانب وجود بعض الممارسات السالبة على الأرض.
ويتوقع داؤود حدوث فراغ أمني كبير في حال خروج قوات اليوناميد في هذه المرحلة، مشددا على ضرورة الإسراع في تنفيذ ترتيبات أمنية محكمة وتأسيس قوات مشتركة بمهام محددة وقيادة موحدة تعمل على توفير الأمن والاستقرار كشرط أساسي للعملية السلمية. ويرى داؤود ضرورة تطمين النازحين ومخاطبة مخاوفهم وحل مشاكلهم عبر توفير خيارات أمنية مقبولة.
مخاوف مستمرة
ويتخوف البعض من ان يشكل الاتفاق الاخير تكرار للتجارب السابقة والحلول الجزئية التي تنتهي بمحاصصات ومناصب للمفاوضين على حساب القضايا الأساسية وعلى راسها الأمن والاستقرار، لكن الأطراف الموقعة تقول إن الاتفاق يعالج كافة القضايا بما فيها الترتيبات الأمنية التي حددت 39 شهرا لعملية الدمج والتسريح المتعلقة بمقاتلي الحركات المسلحة مع تشكيل قوات مشتركة من الجيش السوداني والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن.
وترى ممثلة أصحاب المصلحة في دارفور، منى سيف الدين، أن الأمن يشكل جوهر السلام، مشيرة إلى أن ما يبرر مخاوف النازحين في المعسكرات هو عدم الشعور بتغير محسوس على الأرض بعد توقيع اتفاق السلام.
وتقول سيف لـ"سكاي نيوز عربية" إن الكل ملتف حول السلام لكن الواقع في مناطق الحرب لا يزال على حاله في ظل استمرار الانتهاكات الأمنية والاعتداءات وعمليات الاغتصاب المتكررة ضد النساء.
وتشدد سيف على أهمية التركيز على الجانب الأمني وعدم ترك اي فراغ قد ينجم عن خروج قوات اليوناميد.
واعتبرت سيف أن الهشاشة الأمنية في مناطق الحرب وتعدد القوات الأمنية السودانية وتداخل وتقاطع اختصاصاتها سببا منطقيا للقبول بالبعثة الدولية الجديدة وضرورة إسنادها بمهام أمنية.