على مدار سنوات، وجهت اتهامات عدة، لا سيما في بريطانيا، لبنوك ومؤسسات مالية قطرية، على خلفية عمليات مثبتة لتمويل الإرهاب ونقل الأموال لجهات متطرفة، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو أوروبا.
وفي أحدث حلقة من سلسلة الملاحقات القانونية التي تحاصر قطر والمؤسسات التابعة لها على خلفية اتهامات دعم الإرهاب، فتحت شرطة مكافحة الإرهاب في بريطانيا تحقيقا جديدا حول تورط مسؤولين قطريين في عرقلة سير العدالة، بخصوص قضية تمويل بنك الدوحة لجماعة جبهة النصرة الإرهابية.
وتتصل القضية التي كشفت عنها صحيفة "غارديان" البريطانية، بتعرض سوريين مطالبين بالتعويض في القضية إلى الترهيب من قبل مسؤولين قطريين.
وقال المحامي بن إيمرسون الذي يمثل 4 من المدعين السوريين، أمام المحكمة العليا، إن التدخل في العدالة قد اتخذ شكل "الملاحقة والترهيب والضغط والمراقبة السرية غير القانونية في الخارج، والتهديد بالزيارات من قبل رجال مسلحين وملثمين أثناء الليل، ومحاولة رشوة وإغراءات جنائية".
وهذه واحدة من بين عدة دعاوى قضائية يواجه فيها مسؤولون أو مؤسسات أو بنوك قطرية اتهامات بدعم الإرهاب، لتضاف إلى سلسلة قضايا سابقة حول العالم تواجه فيها الدوحة وبنوكها تهما مماثلة.
بنك الريان
وفي بريطانيا أيضا، تحقق السلطات المالية منذ أكثر عام في تورط بنك الريان القطري في قضايا غسيل أموال، والعمل إرسالها إلى جمعيات تم إدراجها على قوائم الإرهاب البريطانية، علما أنها تعمل تحت ستار جمعيات خيرية، حسب جريدة "تايمز" البريطانية.
وكإجراءات فورية، قررت السلطات المالية البريطانية خلال التحقيقات تجميد عدد من حسابات بنك الريان في بنوك أخرى، وكذلك حسابات عملاء ينتمون إلى البنك القطري، بالإضافة إلى وقف فتح الحسابات لأي طرف يثير الشكوك في ارتباطه بالجرائم المالية الجنائية، أو شخصيات ذات أهمية سياسية، وكذلك أقاربهم وشركاؤهم.
وثبت أن البنك القطري يقدم تمويلات لجماعات تتبع تنظيم الإخوان الإرهابي، وعدد من الجماعات المتطرفة التي تنشط داخل الأراضي البريطانية.
ويمتلك مصرف الريان في الدوحة 70 بالمئة من أسهم فرعه الموجود في بريطانيا، فيما يمتلك جهاز قطر للاستثمار الـ30 بالمئة المتبقية.
بنوك أخرى
وكشفت صحيفة "تايمز" أيضا في أغسطس الماضي، أن بنكا قطريا آخر هو بنك الدوحة، الذي يملك مكتبا في لندن، يواجه اتهامات بتحويل أموال إلى جماعة إرهابية في سوريا، وفقا لدعوى قضائية منظورة أمام المحكمة العليا في العاصمة البريطانية.
ووفقا لتقرير صادر عن "كورنيستون غلوبال"، وهي شركة استشارات بريطانية، فإن السلطات تأكدت من التمويل القطري للمنظمات الإرهابية عن طريق بنوكها.
تمويل مشبوه
ويقول الباحث الاقتصادي محمد عبد الرحيم إن "جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تعتبر من أهم المشكلات التي تواجه الأجهزة المصرفية في العالم، لما لها من أبعاد أمنية واجتماعية واقتصادية تهدد سلامة وأمن المجتمع. تمويل الإرهاب في الغالب لا يكون بشكل مباشر، بل عن طريق عمليات مستترة تستخدم فيها مجموعة من الإجراءات للتمويه المصرفي، ويتطلب ذلك نظاما مصرفيا ورقابيا صارما، يمتلك كافة الأدوات لكشف هذه الملابسات".
وأضاف عبد الرحيم لموقع "سكاي نيوز عربية": "يواجه بنك الريان القطري اتهامات واضحة بخصوص التورط في تمويل الإرهاب، قبل نهاية عام 2019 ووفقا لصحيفة (تايمز) البريطانية فإن السلطات المالية في المملكة المتحدة فتحت تحقيقا موسعا مع البنك في إطار بعض الشبهات المالية بقضايا غسيل أموال وتمويل جماعات إرهابية وأشخاص مشتبه بأنهم إرهابيون، كما أنه تم بالفعل فرض قيود خاصة بفتح حسابات مصرفية لبعض الشخصيات في إطار قواعد مكافحة غسيل الأموال في بريطانيا".
وأشار إلى أنه "في عام 2010 تبرعت الحكومة القطرية بأموال للمساعدة في إعادة بناء مسجد في اليمن تابع للشيخ عبد الوهاب الحميقاني، ويعتبر هذا الشخص الممول لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، كما أن هناك تقارير تفيد بحضور مسؤولين قطريين افتتاح المسجد، مما يفتح باب الأسئلة حول الدور القطري في تمويل الجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط".
وأضاف عبد الرحيم أنه "في عام 2016 تعرض مواطنون قطريون من بينهم أفراد من الأسرة الحاكمة للخطف، فقامت قطر بإرسال أكثر من مليار دولار كفدية إلى تنظيمات إرهابية، وقد اعتبر البعض أنها أكبر فدية في التاريخ، وفقا لتقارير فإن الأموال ذهبت لجماعات وأفراد تصنفهم الولايات المتحدة على أنهم إرهابيون".
ودعا عبد الرحيم جامعة الدول العربية واتحاد المصارف العربية بتبني مزيد من الإجراءات لتشديد الرقابة المالية على المشتبه بهم، سواء أشخاص أو مؤسسات مالية تشارك في تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
أدوات وظيفية
وكشف الباحث في شؤون الجماعات الاٍرهابية عمرو فاروق، أن "بنك الريان القطري البريطاني يعد أحد الأدوات التي استخدمتها الدوحة في تمرير الأموال المصرفية إلى المراكز والمؤسسات الإخوانية في وأوروبا بشكل عام".
وأضاف فاروق لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن بنك الريان "متهم بشكل رسمي في تمويل منظمات إرهابية، عن طريق تحويلات بنكية من داخل قطر ثم إلى الولايات المتحدة ومنها إلى بريطانيا، وأخيرا إلى منظمات مدرجة على قوائم الاٍرهاب، وذلك بهدف عرقلة تتبع حركة هذه الأموال والأهداف التي تمولها".
وأشار فاروق إلى أن جهات التحقيق البريطانية تحقق منذ فترة في اتهامات موجهة للبنك القطري بعمليات غسيل اموال، ونقلها لكيانات إرهابية عاملة في العمق الأوروبي، فضلا عن تغذية ما يسمى "تيار السلفية الجهادية في المغرب".
وأوضح أن "قطر منذ تسعينيات القرن الماضي عملت على تأسيس كيانات مالية تحولت لمحافظ تمويل للتنظيمات والجماعات الإرهابية بدءا من تنظيم القاعدة، وتورطت في تمويل الهجمات الاٍرهابية التي نفذها التنظيم، بجانب دعمها لتنظيم الإخوان ومؤسساته التي تعمل على اختراق أوروبا وتغيير هويتها وتشكيل مجتمعات موازية، فضلا عن دعمها للتيارات السلفية الأوروبي التي أصبحت بيئات حاضنة لعناصر تيار السلفية الجهادية وتنظيم داعش".
وأكد فاروق أنه "من المحتمل محاكمة قطر ومؤسساتها المالية قريبا في يناير 2021 في قضية أحداث 11 سبتمبر 2001، خلال محاكمة خالد شيخ محمد التي تأجلت أكثر من 20 عاما، بتهمة التخطيط للعملية الإرهابية، خاصة أنه اعترف صراحة بالدعم المالي القطري لتنفيذ العمليات التي وجهت ضد المصالح الأميركية والغربية في تسعينيات القرن الماضي".
محاولات للهرب
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي، قال إن التمويل القطري للتنظيمات الإرهابية له تاريخ طويل ولا يقتصر على بنك الريان، بل "هناك بنوك أخرى تعمل حاليا على تمويل الإرهاب من خلال الشركات العابرة للقارات، عبر عملية معقدة وأسماء مستعارة، حتى تصل في النهاية إلى أيدي الإرهابيين".
وتابع فرغلي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "قطر تعمل على تمويل الجماعات الإرهابية بطريقة غير مباشرة عبر دفع فدى لهم، مثلما حدث مع جبهة النصرة وحزب الله وميليشيات الحشد الشعبي في العراق، ومؤخرا عملت على محاولة التملص من التهم الموجهة لها عبر محاولة دفع رشاوى لبعض الموظفين لتغيير أقوالهم في التهم الموجهة للمؤسسات القطرية، لكن الدول الأوروبية أصبحت أكثر وعيا ودراية بالتمويل القطري للجماعات المتطرفة".