لم تكن الخطوات التركية لتعزيز وجودها الاستخباراتي في غرب ليبيا عبر الذراع العسكري الصريح فقط، بل إن المنظمات ذات الوجه المدني والغطاء الخيري لعبت أيضا دورا بارزا في هذا الصدد.

والخميس أعلنت وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" تقديم مساعدات طبية لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة الزنتان شمال غربي ليبيا، التي تبعد 170 كيلومترا جنوب غربي طرابلس.

وذكرت الوكالة في بيان أن "الأطقم العاملة بالوكالة قدمت 150 كرسيا متحركا وعكاكيز طبية لذوي الاحتياجات الخاصة في الزنتان، بعد أن تمت مراسم توزيع المساعدات الطبية على متضرري الحرب في مديرية الخدمات الاجتماعية ببلدية المدينة".

وحضر الحفل منسق الوكالة في ليبيا التركي غياث الدين كاراتيبي، ورئيس بلدية الزنتان مصطفى الباروني، ومدير الخدمات الاجتماعية بالبلدية مبروك سعد، بجانب بعض المسؤولون المحليون في المدينة.

وتبدو الخطوة التركية كمساعدات مقدمة إلى الليبيين، إلا أنها تحمل في طياتها أغراضا خبيثة لا تقل خطورة عن دور أنقرة في إغراق الغرب الليبي بالميليشيات والمرتزقة.

أخبار ذات صلة

مصر وألمانيا تؤكدان على رفض التدخلات في شؤون ليبيا
تعيينات أردوغان.. الخطوة الأخيرة للهيمنة على القضاء

وتم الإعلان عن تأسيس وكالة التنسيق والتعاون التركية المعروفة باسم "تيكا" كمنظمة خيرية في 24 يناير 1992 بموجب قرار وزاري، للعمل على "التعاون في مجالات التنمية والاقتصاد والتعليم والإعلام والثقافة وتقارب الشعوب والمجتمعات"، وكل ما يندرج تحت مسمى التعاون الناعم.

لكن بعد تولي الذراع السياسي لتنظيم الإخوان في تركيا، حزب العدالة والتنمية، الحكم مطلع عام 2003، بدأت ملامح وبوصلة "تيكا" تتغير تماما من منظمة خيرية إلى استخباراتية، ومن تقديم المساعدات الإنسانية للشعوب المتضررة إلى تقديم المعلومات الاستخباراتية لأجهزة الأمن والمعلومات التركية.

ويرى مختصون في الشأن التركي أنه "بعد قدوم حزب العدالة والتنمية للحكم، بدأت تركيا الجديدة تتحرك في اتجاهين، الأول نحو مناطق نفوذها القديمة بزمن العثمانيين في القوقاز والبلقان، والثاني نحو دول شمال وغرب أفريقيا ودول الساحل والصحراء (موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد)".

"تيكا" من الوجه المدني إلى الاستخباراتي

ويقول الباحث السياسي حسين مفتاح أن وكالة "تيكا" كانت الوجه المدني الخيري لأي تحرك تركي خارجي، لا سيما تجاه الدول ذات الأغلبية المسلمة، فقد "كانت في البداية مهتمة بدول آسيا الوسطى إلى أن تصدر حزب العدالة والتنمية المشهد السياسي وتولى زمام الأمور في تركيا، حيث ابتعدت نظرة الرئيس رجب طيب أردوغان ورفاقه إلى الوكالة ودائرة عملها عما أرداه مؤسسوها".

ويضيف مفتاح لموقع "سكاي نيوز عربية": "اقتنع جميع مريدي العثمانية الجديدة بضرورة توسيع دائرة عمل ونفوذ الوكالة لكي تشمل كافة الدول الإسلامية ودول الشرق الأوسط وإفريقيا، بجانب دائرتها الأساسية بدول آسيا الوسطى والقوقاز، على أن يكون ذلك التوسع استخباراتيا في المقام الأول".

ويتابع أن أردوغان لم يجد لتنفيذ السياسة الاستخباراتية الجديدة لوكالة "تيكا" أفضل من هاكان فيدان، الذي يشغل اليوم منصب مدير الاستخبارات التركية.

وتم تعيين فيدان على رأس "تيكا" عام 2003، بعد سنوات قليلة من إعداد رسالة ماجستير بعنوان "مقارنة بين نظام الاستخبارات الأميركي والبريطاني والتركي".

ويؤكد مفتاح أن رسالة فيدان كان بحثا "أشار فيه إلى حاجة تركيا الضرورية لشبكة استخبارات خارجية قوية تمتلك القدرة على الانتشار في كافة أرجاء المعمورة، وتعتمد على عدد ضخم من العناصر تحت غطاء مدني".

ويستطرد: "حمل عام 2003 الذي تولى فيه فيدان منصب مدير وكالة التنسيق والتعاون التركية تغييرا كاملا لملامح عملها ودوائر نشاطها ونفوذها، فبعد أن انحصر على دول آسيا الوسطى بات طابع عمل الوكالة استخباراتيا يشمل كافة الدول الإسلامية ودول منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا".

ويكمل مفتاح: "تكمن أهمية دول البلقان في كونها بوابات خلفية لأنشطة تركيا الاستخباراتية في أوروبا، واليوم تكرر أنقرة الأمر ذاته عبر أدواتها الاستخباراتية، وفى المقدمة وكالة تيكا من نشاطها في شمال إفريقيا نحو التغلغل في غرب ليبيا".

واستطرد: "لك أن تتخيل أهمية وكالة تيكا للاستخبارات التركية اليوم، بعد أن صار مديرها المسؤول الأول عن جهاز الاستخبارات التركية منذ عام 2007 وحتى الآن".

ومن المعلوم أن فيدان الملقب بكاتم أسرار أردوغان استمر بمنصبه كمدير لـ"تيكا" حتى عام 2007، بجانب عمله كمستشار لأحمد داوود أوغلو وزير الخارجية وقتها ورئيس الوزراء السابق.