قبل أن تنفض الجموع الغفيرة التي شيعت جثمان إمام الأنصار الصادق المهدي، حفيد مؤسس الثورة المهدية، صباح الجمعة في ذات "القبة" التي دفن فيها سابقيه بمن فيهم جده المؤسس، بدأت موجة من الجدل حول ما إذا كانت الطائفة الأكبر في السودان هي نتاج فكر عقدي ديني أم أنها طائفة سياسية قادرة على مواصلة التنافس على إدارة الدولة السودانية بالطرق التجديدية التي توسع في طرحها المهدي الإبن الذي خبر دروب الفكر والسياسة.
يرى الكثير من المتحمسين للفكرة المهدية أن الأسس القوية التي بني عليها نهجهم تشكل صمام أمان لاستمرار المسيرة، على الرغم من اعتقادهم بأن رحيل المهدي يعد خسارة كبيرة من الناحيتين الفكرية والسياسية.
عضوية مختلطة
من خلال متابعة مراسم تشييع الصادق المهدي لوحظ نوعان من الجموع الغفيرة التي شاركت في التشييع والتي قدرت بنحو 10 آلاف رغم قيود جائحة كورونا. وفي حين كان هنالك تواجد لافت للآلاف من الشباب المستنيرين، كانت هنالك أعداد كبيرة من الذين تبدو عليهم مظاهر التمسك بالإرث التقليدي لأنصار المهدية، مما يطرح تساؤلا مهما حول مستقبل الحزب وما إذا كانت الغلبة ستكون للتيار التقليدي أم مناصري التحديث والتجديد؟
فلسفة المهدية
يلخص يوسف حسن يسن مساعد رئيس حزب الأمة لشؤون الفكر ومدير مركز التراث والتوثيق بجامعة الإمام الهادي فلسفة المهدية التي يستند إليها حزب الأمة في تأطير نهجه بالقول إن الامام محمد أحمد المهدي الذي أسس الدولة المهدية في عام 1885 وضع خطا واضحا يقوم على الجمع بين الدعوة وتأسيس الدولة الحديثة بكل مكوناتها اللازمة لاحترام التنوع والرأي الآخر.
ويشير يسن في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية إلى أن التجديد ومجاراة الواقع هو ذات النهج الذي أكد عليه الراحل الصادق المهدي الذي مضى في طريق التجديد المستصحب لكل أسس الحياة الحديثة.
ويدحض يسن الآراء التي تتحدث عن جمود فكرة أنصار المهدية أو بقائها في عباءة الماضي، حيث يقول إن الإمام المهدي الأب كان أكثر ميلا نحو المنازلة الفكرية بعيدا عن الخشونة والتشدد. وفي الواقع يظهر هذا النهج كثيرا في كتابات وآراء الصادق المهدي الرافضة للإسلام السياسي وفكر الجماعات المتشددة.
تحولات مرحلية
يشرح مهدي داؤود الخليفة عضو حزب الأمة ووزير الدولة السابق بوزارة الخارجية السودانية التحولات المرحلية التي شهدها كيان الأنصار وحزب الأمة، بالقول إن المهدية هي في الواقع دعوة وطنية هدفت لقيام كيان سوداني حر قائم على قيم الدين الإسلامي.
ويضيف أنه وفي سبيل الدفاع عن الوطن والعقيدة انضمت جموع كبيرة من الشعب السوداني لقائد الثورة المهدية، وتمكنت من تحرير رقعة البلاد من الاستعمار التركي الذي كان قائما آنذاك.
وعلى هذا الأساس يؤكد الخليفة أن الدولة التي أسسها الإمام المهدي قامت على هدي الدين الإسلامي واستمرت بذات النهج في عهد خليفته الخليفة عبد الله.
ويوضح الخليفة مدى أهمية الدين في نهج الدولة المهدية بدليل أنه وعندما بدأت الحملة البريطانية المصرية المشتركة لفتح السودان كان رأي بعض القيادات أن يتم تحالف مع دولة فرنسا آنذاك لصد الهجوم البريطاني غير أن الخليفة عبد الله رفض الفكرة قائلا "فلتذهب الدولة ولتبقى الدعوة".
ووفقا للخليفة فإنه وعلى الرغم من المتغيرات والتطورات التي حدثت في النصف الأول من القرن الماضي، لم تمت الفكرة إذ قام الإمام عبد الرحمن ابن الامام المهدي بتجديد الدعوة لتناسب وظروف العصر وسعى لتأسيس حزب الأمة كامتداد لتلك الدعوة. وعلى هذا الأساس كان شعار حزب الأمة في مرحلة التأسيس الأولي؛ لا شيع ولا طوائف.
ويشير الخليفة إلى تأثر حزب الأمة كغيره من الأحزاب السودانية بحالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد بعد الاستقلال في عام 1956 إذ لم تستمر التجربة الديمقراطية طويلا في ظل الانقلابات العسكرية وبالتالي اضطرت الأحزاب ان تعمل في الخفاء طيلة فترات الحكم العسكري والتي امتدت لنحو اثنين وخمسين عاما من عمر استقلال السودان البالغ خمسة وستين عاما.
ويوضح الخليفة أن حزب الأمة وكيان الأنصار تعرض للبطش والحل على أيدي الحكومات العسكرية، لكن رغم ذلك تمكن الحزب بعد تولي الصادق المهدي رئاسته في العام 1964 من إحداث نقلة نوعية إذ توسع في أوساط الشباب والمستنيرين في المناطق الحضرية بعد أن كان حزبا تقليديا يستمد نفوذه من مناطق يغلب على سكانها قلة التعليم نتيجة لسياسات المستعمر التي حرمت جماهير الأنصار التي ناهضتها من وسائل التعليم الحديث.
ويؤكد الخليفة أن الصادق المهدي استطاع بفضل سعة أفقه أن يوسع مواعين الحزب ويزيد من جاذبيته خصوصا من خلال نهجه الميال لسياسة الجهاد المدني والتي تنأى عن العنف وإراقة الدم السوداني.
عنصر التجديد
وبدا واضحا عنصر التجديد والتغيير في الفكرة المهدية من حيث الأفكار والتموضع السياسي. وفي هذا السياق، يشير التجاني أبوسن مساعد الأمين العام لحزب الأمة إلى أن الأنصارية هي فكر ديني قاده الإمام المهدي وحارب من أجله واجتمع حوله المريدون والباحثون عن نصرة الدين وطرد المستعمر من السودان، في حين أن العمل السياسي لطائفة الأنصار بدأ في عام 1945 عندما أسس الإمام عبد الرحمن حزب الأمه كحزب سياسي يقوم على تنفيذ الأجندة الوطنية.
ويوضح ابوسن لموقع سكاي نيوز عربية طبيعة العلاقة بين الحزب وكيان الأنصار بالقول إنه ورغم الترابط الظاهري إلا أن فكرة الإمام عبدالرحمن وضعت إطارا واسعا للتغيرات المستقبلية المحتملة معبرا عن ذلك بالقول إن (كل أنصاري حزب أمه وليس كل حزب أمه أنصاريا).
ويؤكد ابوسن أن حزب الأمه أصبح وفقا لتلك الرؤية حزب مؤسسات يدار بواسطة مؤسسة الرئاسة ومجلس التنسيق والمكتب السياسي والأمانة العامة، وهو حزب لامركزي حيث توجد نفس هذه الهياكل في كل ولاية ويتم انتخاب هذه المؤسسات عن طريق مؤتمرات الولايات والمؤتمر العام للحزب الدي ينتخب الرئيس والمكتب السياسي والهيئة المركزية التي تنتخب الأمين العام.