في مراكش أشهر المدن السياحية في المملكة المغربية، استقر حديثا كلود ويلمان وزوجته، قادمان من مدينة ستراسبورغ، شرق فرنسا، بعد أن جذبهما طقس "المدينة الحمراء" وشجعهما أقرباء مستقرين بالمدينة.
يعيش المتقاعدون الفرنسيون المستقرون في المغرب، والذين يقدر عددهم بـحوالي 30 ألف شخص، حسب القناة الفرنسية الثانية، موزعين على مختلف المدن، من أبرزها مراكش وأكادير وورزازات ومنهم كذلك من يفضل مدن الشمال المغربي خاصة مدينة طنجة.
يقول كلود (61 عاما) لـ"سكاي نيوز عربية": "إضافة إلى عشقي لمراكش ولطقسها الرائع، فالحياة كذلك مريحة وهادئة هنا أكثر من فرنسا، كما أن معاشي يسمح لي بالعيش في هذا البلد المشمس دون تقشف".
أما نيكول لوفو التي تعيش وحيدة في مدينة مراكش فذكرت: "كان أول ما شدني إلى المغرب هو الشمس و الطقس الرائع، وكذلك وثيرة الحياة والمزايا التي يتيحها لي العيش هنا كمتقاعدة فرنسية، واليوم أتوفر حاليا على بطاقة إقامة قابلة للتجديد كل سنة".
وتابعت: "أنا الآن معفاة من أداء الضرائب لبلدي فرنسا بحكم استقراري في المغرب، كما أنني أستفيد من ارتفاع سعر اليورو مقابل الدرهم (العملة المغربية) كلما صرفت معاشي الشهري، وكل ذلك منحني وضعا اجتماعيا متميزا هنا وأفضل بكثير من فرنسا".
ويحتل المغرب المرتبة الثالثة ضمن الوجهات التي تجذب الفرنسيين للاستقرار بها بعد إحالتهم على التقاعد، وراء كل من البرتغال وإسبانيا. وفق مجلة "تشالنج" الفرنسية.
وتختلف قصص المتقاعدين الفرنسيين الذين استهواهم العيش وسط المغاربة، إلا أن غالبيتهم يجمعون على أن المناخ المعتدل وتكلفة العيش، كانا من بين الأسباب الرئيسية وراء اتخاذهم قرار الاستقرار في المغرب.
المغرب.. مكفأة التقاعد
ويستأجر كلود التاجر السابق في الأصناف النادرة من الأسماك رفقة زوجته، شقة في مراكش بسعر 250 دولارا شهريا، ويقول "نفس الشقة كانت ستكلفني في فرنسا مبلغ 700 دولار أو أكثر كل شهر، فأسعار الإيجارات مرتفعة هناك قياسا بالمغرب".
ويضيف "منذ شهر يناير الماضي تاريخ وصولي إلى المملكة لم تواجهني أي مشاكل، وتعامل المغاربة رائع مع الأجانب ويحبون الفرنسيين".
وعكس كلود حديث الاستقرار في مدينة مراكش، فإن جيستينو كولمان، قدم إلى المغرب قبل أزيد من ثلاثين عاما، بغرض العمل لفترة بسيطة، إلا أن عشقه لتفاصيل الحياة في المملكة دفعه إلى الاستقرار بها.
وأوضح: "كنت أنتقل كثيرا بحكم عملي بين دول عدة، غير أنني فضلت الاستقرار في المغرب، واليوم أمتلك أكثر من منزل واحد هنا، ورغم أن أسعار العقارات مناسبة ومغرية للأجانب، إلا أنها تبقى جد مرتفعة بالنسبة للسكان المحلين"، يتحدث جيستينو الذي كان يشتغل كمسؤول بإحدى شركات الأشغال العمومية، لـ"سكاي نيوز عربية" عن حياته في المغرب.
يضيف جيستينو الذي يعيش رفقة زوجته المغربية نجلاء: "كل أصدقائي هم من المغاربة، أصبحت مطلعا بشكل كبير على ثقافة هذا البلد وعاداته، فقد اندمجت بشكلي كلي وسط المجتمع المغربي".
امتيازات مشجعة
ومن بين الامتيازات التي يستفيد منها المواطنون الفرنسيون الذين قرروا الاستقرار في المغرب بعد التقاعد، تخفيض ضريبي يصل إلى 80 في المئة، وهو ما يعتبر تحفيزا للمتقاعدين على الإقامة في المملكة.
وتحكي نيكول لوفو وهي أرملة فرنسية لـ"سكاي نيوز عربية" عن مقامها في المغرب، وتقول "جئت قبل أزيد من أربعة سنوات إلى هنا، بعد أن قررت قضاء فترة تقاعدي خارج فرنسا".
من جهة أخرى، عبرت نيكول عن امتعاضها إزاء الخدمات المقدمة على المستوى الاداري ومن تعقيد المساطر، قائلة "في نظري ينبغي إعطاء اهتمام أكبر لتحسين خدمات الإدارة والتعليم و الصحة في المغرب، ما عدا ذلك كل شيء يبقى رائع في هذا البلد الجميل".
ويخالف كلود بيكان (74 عاما) رأي نيكول فيما يتعلق بجودة الرعاية الصحية في المغرب، ويقول " أجريت مؤخرا عملية جراحية في مراكش، وكان المستشفى مجهزا بشكل جيد، فيما تكفل مؤسسة الضمان الاجتماعي الفرنسي بتغطية مصاريف العملية والعلاج".
بينما يشاطر كلود الذي حل قبل 20 عاما بالمغرب، رأي نيكول حول الامتيازات الضريبية الجيدة، وكذلك مستوى العيش الغير المكلف مقارنة مع بلده الأم فرنسا، بالإضافة إلى الطقس المميز، إلى جانب ذلك يعتبر القرب الجغرافي من فرنسا عاملا يغري على الاستقرار في البلد.
ويتابع بيكان "أسافر باستمرار إلى فرنسا فالرحلة لا تستغرق أكثر من ثلاث ساعات، كما أن سعرها انخفض مؤخرا بشكل كبير جدا مقارنة مع السنوات السابقة".
وأردف قائلا "أشعر بالأمان ولأحس بالغربة في المغرب نهائيا، وأغلب المغاربة يتحدثون اللغة الفرنسية، وهو ما يسهل علي عملية التواصل معه".
دفء الطقس وحرارة الاستقبال
إلى جانب دفء طقس المغرب والتكلفة المنخفضة للمعيشة بالنسبة للمتقاعدين الفرنسيين مقارنة بدول أوروبا، فإن حرارة استقبال المغاربة لهم وسهولة تواصلهم بلغتهم الأم في المملكة، كان لها دور كبير في تسريع عملية اندماجهم وسط المجتمع المغربي.
"قبل وفاته كان جاري الفرنسي، دائما يوصي عائلته بدفنه في مدينة مراكش"، يحكي الحاج محمد (77 عاما) لـ"سكاي نيوز عربية"، والذي كانت تجمعه علاقة صداقة بجاره، ويتذكر في حديثه، أنه "حضر مراسيم دفن جاره في المدينة التي أحبها واستقر بها، وقرأ بجوار قبره آيات قرآنية بحضور أقاربه، وهو ما يجسد قمة التسامح و التعايش بين المغاربة والأجانب".
ويقول إبراهيم المرشد السياحي في مدينة مراكش "بحكم احتكاكي المستمر مع الأجانب وخاصة الفرنسين، فإن الكثير منهم يعبرون خلال زيارتهم للمغرب عن رغبتهم في عودة إليه والاستقرار فيه بعد حصولهم على التقاعد، ومنهم من عاد بالفعل واقنتى منزلا استقر فيه، كما هناك من اختار اقتناء عربة سياحية لكي يجوب بها مختلف أنحاء البلاد".
ويشدد إبراهيم على أنه إضافة إلى الطقس الجميل الذي يميز المغرب وتكاليف المعيشة، فإن الفرنسيين بشكل خاصة يندمجون بسهولة أكبر مع المغاربة، كما يجدون سهولة في التواصل معهم بلغتهم الأم، وكثير منهم من قرر الاستثمار في البلاد سواء في قطاع السياحة أو غيره، مما ساهم في توفير فرص شغل لعدد من المغاربة".