تكتسب الانتخابات الأميركية الحالية أهمية غير مسبوقة في الشارع السوداني وذلك لأسباب تتعلق بالتطورات الحالية التي تشهدها البلاد في ظل القرار الذي اتخذه الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بالبدء في إجراءات شطب السودان من قائمة الإرهاب التي أدرج فيها في عهد منافسه الحزب الديموقراطي في العام 1993.
وينقسم السودانيون بين فريق يرى في فوز ترامب ضمانا لاستكمال إجراءات شطب السودان من القائمة، ومن يعتبر أن فوز بايدن سيعزز التحول المدني وثالث يقول إن فوز أيا من المرشحان لن يغير في المعادلة كثيرا.
يميل الكثير من السودانيون إلى تأييد فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن على حساب الرئيس الحالي دونالد ترامب لأسباب تتعلق بالاعتقاد بأن فوز الديموقراطيين سيدعم التحول المدني في السودان، لكن في الجانب الآخر يشير آخرون إلى أن ترامب هو من قرر بالفعل البدء في إجراءات شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والتي ادرج فيها في عهد الرئيس الديموقراطي بل كلينتون في العام 1993.
مبررات منطقية
وفي حين يرى من يتمنون فوز بايدن أن ترامب لا يحترم العمل المؤسسي ويميل أكثر لحسابات الربح والخسارة بدلا من الالتزام بمبادئ احترام القانون وحقوق الإنسان، يقول الخبير الاستراتيجي أمين إسماعيل إن فوز الجمهوريين سيصب في مصلحة السودان، مبررا ذلك بالخطوات التي اتخذها ترامب في اتجاه تطبيع العلاقات مع السودان ورفع اسمه من لائحة الارهاب.
ويشير اسماعيل إلى أن الجمهوريين رجال أعمال يريدون الاستثمار في السودان ولديهم شركات تحقق المصلحة للبلدين.
وينوه إلى أن تاريخ السودانيين مع الديمقراطيين شهد أحداثا سوداء مثل ضرب أحد المصانع في الخرطوم في عهد بيل كلينتون، إضافة إلى فرض العقوبات في عهد باراك أوباما وكلاهما ينتميان للحزب الديموقراطي.
وعلى عكس إسماعيل، يرى عصام سعيد وهو صيدلاني مهتم بالشأن السياسي أن الأفضل للسودان هو فوز بايدن لأن ترامب يدعم الحكومات ولا يدعم حركات التحرر الشعبيه في أي مكان في العالم، بحسب تعبيره.
ويقول سعيد إن ترامب متحيز أكثر لليهود وينظر لمصلحة أميركا بحساب الربح والخسارة بغض النظر عن المبادئ والأخلاق المتعارف عليها، لذلك فهو يشكل خطر على اقتصاد العالم خاصة الدول الفقيرة.
ويرى سعيد على هذا الأساس أن فوز ترامب سيكون نكسه للعالم وأميركا والعالم الحر ومبادئ الأمم المتحدة.
معادلة ثابتة
بعيدا عن الرأيين السابقين، يرى عادل خلف القيادي في قوى الحرية والتغيير أن السياسة الخارجية الأميركية، لا تتأثر بمن يسكن البيت الأبيض، لأنها تصنع من لدن اللوبيات العسكرية والصناعية والاستخبارية وكبريات الشركات ومراكز الاستراتيجيات، انطلاقا من قاعدتها الذهبية (المصالح الأميركية ونظرية الأمن القوي)، وهي قاعدة تتخطى البحار والحدود، ولا تمتثل إلا لرؤيتها لنفسها وللعالم وتعميم نموذجها الاقتصادي والديمقراطي على نطاق العالم.
ويقول خلف إنه إذا كان هناك اختلاف فهو شكلي لا يتجاوز الوسائل ولا يغير شيئا في السياسات المتبعة حيال بلدان العالم الثالث، وهو ما تعبر عنه مقولة المفكر الأميركي، تشرنومسكي، والتي يقول فيها إن النظام الأميركي هو أنصع نموذج في العصر الحديث لدكتاتورية الحزب الواحد.
ومن وجهة نظر خلف، فإن توجهات السياسة الأميركية تجاه السودان تظهر بوضوح في استمرار العقوبات وحتى الآن رغم تناوب الحزبيين علي البيت الأبيض، إضافة إلى موقفها الداعم للنظم العسكرية ومحاربتها لفترات التعددية وإعاقة توطين نموذج أمثل، حسب الواقع السوداني، للديمقراطية المرتبطة بالتنمية المتوازنة.
المشروع الأميركي
في ذات السياق، يقول الإعلامي محمد عبدالعاطي إن الأفضل في حال السودان أن يكون هناك رئيس مثل بايدن يلتزم بالمشروع الأميركي في دعم الديمقراطيات الناشئة، وتكريس دولة المؤسسات ودعم السودان في مشروعه المستقبلي وحلمه في تحقيق الدولة الديمقراطية.
لكن عبدالعاطي يشير إلى نقطة جوهرية ويقول إن الولايات المتحدة دولة تحكمها المؤسسات، لذلك فإن تغيير الرؤساء لا يؤثر كثيرا على السياسات الخارجية والدليل على ذلك أن قرار وضع السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب تم اتخاذه في عهد كلينتون وجاء بعده عدد من الرؤساء ولم يحدث تغيير رغم التعاون الكبير الذي قدمته حكومة النظام البائد في ملف الارهاب.
ويتفق الناشط السياسي فؤاد عبدالرحيم ورجل الأعمال فؤاد عبدالعظيم مع عبدالعاطي في أن فوز بايدن الأنفع للسودان باعتبار أن نهج بايدن يمكن أن يكون مغايرا ومختلفا عن ترامب في انتهاج سياسة خارجية متوازنة لا تقوم على الابتزاز والمساومة بل على الندية والمصالح المشتركة. ويذهب عبدالعظيم إلى أبعد من ذلك حيث يرى أن فوز ترامب سيكون وبالا للسودان.
مصلحة السودان
على الرغم من اعتقاده بأن فرص فوز ترامب تبدو ضعيفة، إلا أن الأكاديمي والمفكر النور حمد يقول لموقع "سكاي نيوز عربية" إن مصلحة السودان في المرحلة الراهنة تكمن في فوز الجمهوريين أكثر مما تتمثل في فوز الديموقراطيين.
ويشير حمد إلى أن الديموقراطيين هم من وضعوا السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وهم الذين رفضوا باستمرار إخراج السودان من تلك القائمة.
ويدافع حمد عن وجهة نظره تلك بالقول إنه حتى بعد الثورة ونهاية نظام البشير كان النائبان المعترضان على إزاحة اسم السودان ديموقراطيان لا زالا يضغطان بقوة من أجل إجبار السودان على دفع مليارات الدولارات لضحايا تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في برجي التجارة في نيويورك.
لكن في الجانب الآخر، يرى حمد أن ترمب رئيس سيء للغاية لكن مع ذلك خدمت أجندته السودان كما خلقت واقعا إقليميا جديدا أسهم في فك العزلة عن إسرائيل وهو أمر تبحث عنه إسرائيل بشدة وسيفتح الباب أمام حدوث تحولات إيجابية في المنطقة. ويعبر حمد عن اعتقاده بأن احتمال فوز ترامب في الانتخابات ضعيف لكن فوز بايدن لن يغير ما جرى في حق السودان، بحسب تعبيره.
عصور ذهبية
عموما، ومنذ استقلال السودان في منتصف خمسينيات القرن الماضي، شهدت العلاقات السودانية الأميركية قمة عصورها الذهبية في ثلاث فترات حكم فيها الديموقراطيون. وكانت فترتي حكم جون إف كيندي (1961-1963) وليندون جونسون (1963–1969)، من أكثر الفترات التي شهدت تعاونا مباشرا بين البلدين. وفي فترة حكم جيمي كارتر (1977-1981)، نشط التعاون الإنمائي بشكل كبير وتطورت العلاقات الدبلوماسية والعسكرية كثيرا خلال تلك الفترة.
وفي عهد الديموقراطيين وتحديدا في العام 1961 كان الرئيس الراحل إبراهيم عبود أول رئيس سوداني يزور البيت الأبيض بعد الاستقلال والتقى بالرئيس جون كينيدي.
وخلال السنوات الست التي أعقبت تلك الزيارة، استمرت العلاقة على وتيرة ثابتة.
وبعيدا عن العلاقة بين الديموقراطيين أو الجمهوريين، توترت علاقات السودان مع الولايات المتحدة في مطلع التسعينيات عندما أعلن المعزول عمر البشير وأتباعه شعارات معادية للولايات المتحدة في إطار حرب جهادية في جنوب البلاد، وبسبب ذلك سحبت الولايات المتحدة عددا من دبلوماسييها ورعاياها من الخرطوم، وصنفت السودان كدولة راعية للإرهاب، وتبع ذلك تعليق عمليات السفارة الأميركية في الخرطوم في العام 1996.
لكن في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب شهدت العلاقة في أعقاب الإطاحة بنظام البشير في أبريل 2019، مرحلة جديدة حيث أعلنت واشنطن تأييدها ودعمها للتغيير الذي حدث في البلاد.
وتوجت تلك العلاقة بالبدء في إجراءات شطب السودان من قائمة الإرهاب والتي أدرج فيها في عهد الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون في العام 1993 وشددت أكثر في مطلع القرن الحالي في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الإبن. لكن الكثيرين من السودانيين ينظرون إلى خطوة ترامب الأخيرة بشطب اسم السودان من قائمة الإرهاب بأنها لم تأتي من موقف مبدئي للجمهوريين تجاه السودان لكنها أتت كورقة تكتيكية ربطها ترامب بمسألة إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل لكسب أصوات اليهود وتقوية موقفه الانتخابي.