رأى مراقبون إن زيارة المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية فاتو بنسودا للخرطوم والتي تستمر 5 أيام تشكل اختبارا حقيقيا لقدرة الخرطوم على تسليم المعزول عمر البشير واثنين من المقربين له للمحكمة بناء على مذكرة قبض صدرت بحقهم في 2007 بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، التي اندلعت في 2003، وراح ضحيتها أكثر من 3 ملايين ما بين قتيل ومشرد، وشهدت عمليات اغتصاب واسعة وحرق لقرى بأكملها.
وقالت الحكومة السودانية إن الزيارة ستناقش سُبُل التعاون بين المحكمة والسودان بخصوص المتهمين الذين أصدرت المحكمة بحقهم أوامر قبض.
وفي مارس 2009، أصبح البشير أول رئيس دولة تصدر المحكمة الجنائية الدولية أمرا باعتقاله.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت في مايو 2007 مذكرات توقيف بحق أحمد هارون الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب وزير الدولة للشئون الإنسانية، وعلي كشيب القائد السابق في مليشيا الجنحويد والذي يحاكم حاليا في لاهاي.
كما صدرت مذكرة أخرى باسم عبدالرحيم محمد حسين الذي شغل منصب وزير الدفاع لعدة سنوات خلال عهد البشير.
ورفض السودان في ذلك الوقت القبول بالأمر، واعتبره جزءا مما وصفه بـ "مخطط استعماري جديد". فيما تقول المحكمة إن لديها أدلة "دامغة" تدين البشير وأعوانه.
وأعلنت الحكومة الانتقالية الجديدة التي تسلمت السلطة في أعقاب الإطاحة بنظام البشير في أبريل 2019 إن البشير الموقوف حاليا في سجن كوبر، سيمثل أمام المحكمة الجنائية، لكنها لم تحدد ما إذا كانت ستسلمه للمحكمة في لاهاي أم ستسمح للمحكمة بمحاكمته في الخرطوم.
وفي السياق يقول نزار عبدالقادر مدير معهد حقوق الإنسان في جنيف لموقع "سكاي نيوز عربية" إن عبارة المثول يمكن أن تفسر في اتجاهين إما تسليمه للمحكمة في لاهاي أو السماح لها بمحاكمته محليا.
ويشير عبدالقادر إلى أهمية زيارة بنسودا للخرطوم لأنهت ستستكشف مدى جدية الحكومة السودانية في تسليم البشير والمطلوبين الآخرين.
ولا يستبعد عبدالقادر أن تتم خلال الزيارة مناقشة سيناريوهات أخرى قد تشمل طرح مسألة محاكمته عبر محكمة هجين داخل الخرطوم، وهو أمر سيواجه بصعوبات كبيرة نظرا لعدم توفر الجوانب اللوجستية التي تناسب طبيعة مثل هذه المحاكمات التي تتطلب مدة زمنية أطول وإجراءات أمنية قوية، إضافة إلى ضرورة وجود تشريعات وطنية متوائمة مع نظام روما الأساسي.
وفي ذات السياق، يقول الصحفي والناشط الحقوقي فيصل الباقر إن من المهم أن تثمر الزيارة عن نتائج ملموسة تؤكد قدرة المجتمع الدولي على تحقيق العدالة وانصاف الضحايا.
أما بالنسبة للناشط الاجتماعي خالد الحلفاوي، وهو من سكان المناطق المتضررة بالحرب، فإن الضحايا ينظرون إلى لاهاي باعتبار أنها يمكن أن تحقق لهم نصر معنوي، لكنه لن يكن كافيا للقضاء على الغبن النفسي الذي لحق بهم، بحسب تعبيره.
ويقول الحلفاوي لموقع "سكاي نيوز عربية" إن ما لمسه من أسر الضحايا هو عدم الثقة في القضاء السوداني، خصوصا في ظل تجربة الفترة التي أعقبت نجاح الثورة والمحاكم الصورية التي أجريت خلال فترة النظام السابق.