بعد أقل من شهر من افتتاح السنة القضائية اندلعت في الجزائر حربٌ باردة بين نقابة القضاة وعدد من المحامين. ففي أحدث فصول الجدل اتهم رئيس النقابة الوطنية للقضاة يسعد مبارك في تصريحات له عددا من المحامين -لم يسمهم- بممارسة الدجل والسمسرة وراء عباءة المحاماة.
وأثارت هذه التصريحات حفيظة المحامين في وقت تتجه الأنظار إلى مواد مشروع الدستور المعدل التي تقضي بتنظيم جهاز القضاة في الجزائر.
مطلب استقلالية القضاء
لم تهدأ بعد حالة التوتر بين نقابة القضاة والمحامين، رغم أن النقيب عاد بعد تصريحاته النارية وأوضح الأمر مشيرا إلى أن كلامه نشر خارج سياقه رغم أنه قال:"في المحاماة قامات مشهود لها بالكفاءة العالية ودماثة الأخلاق".
ويرى رئيس الجمعية الوطنية للمحامين الشباب تامرت عبد الحفيظ أن المشكلة عميقة وليست سطحية كما يروج البعض، وقال لـ سكاي نيوز عربية :"ما عشناه بعد حراك 22 فبراير 2019، بالنسبة لقضايا الحراك الجزائري والرأي يعد صدمة كبيرة".
وكان مطلب استقلالية القضاء واحدا من أبرز المطالب التي رفعها الحراك، وقد رافق القضاة الحراك ونظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية للمطالبة باستقلالية العدالة وتحرير القاضي من الضغوطات التي كانت تمارس عليه من طرف السلطة السابقة.
وقد وصفت تلك الوقفات بانتفاضة القضاة ضد السلطة السياسية ومنظومة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهو الأمر التي استبشر فيه الجميع خيرا، ما أعطى أملا كبيرا للتغيير.
ولكن ذلك الأمل سرعان ما تحول إلى سراب بحسب المحامي تامرت الذي قال: "الصدمة أكدت أن الاستقلالية أمر بعيد المنال".
وتشهد الجزائر منذ عام محاكمة أبرز رموز النظام السابق سواء في السياسة أو المتورطين في لعبة المال الفساد. وقد صدرت في حق الكثير منهم أحكام قاسية بالسجن وصلت إلى 18 عاما سجنا نافذا في حق رجل الأعمال علي حداد الذي كان يعتبر أحد أذرع المالي الفاسد في النظام السابق.
القضايا الخاصة تثير الخلاف
ويرى الكثيرون أن القوانين التي يطرحها مشروع الدستور الجزائري المعدل تصب في خانة إصلاح جهاز العدالة، إلا أن رئيس جمعية المحامين الشباب يرى أن الرهان يكمن في تغيير الممارسات وطريقة التعامل مع بعض المسائل التي يصنفها القضاء في خانة القضايا الخاصة وأبرزها محاكمة معتقلي الحراك والشخصيات السياسية المعارضة.
ويعول قضاة الجزائر اليوم على مشروع الدستور المطروح للاستفتاء الشعبي في الأول من نوفمبر القادم، لتحقيق مطلب استقلالية القضاء بالكامل، حيث يضمن الدستور الكثير من المميزات والحريات، ويمنح القضاة مزيدا من الصلاحيات عبر دسترة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء مع إبعاد وزير العدل والنائب العام لدى المحكمة العليا من تشكيلة هذا المجلس.
وبارك الأمين العام للنقابة الوطنية للقضاة وعدد كبير من الحقوقيون مشروع تعديل الدستور، وقال النقيب :"إن مشروع الدستور يتضمن أحكاما غير مسبوقة في باب السلطة القضائية وهي أمور ستساهم في تجسيد استقلالية حقيقة للقضاء".
مناوشات لا تخدم الطرفين
ومنذ انطلاق السنة القضائية أصدرت نقابة القضاة بيانين أثارا حفيظة المحامين، ولم ترد هيئة المحامين إلا على البيان الثاني الذي جاء بلهجة أشد، وقد جاء ردهم للحفاظ على حقوق المتقاضين وضمان محاكمات عادلة وللتخفيف من حدة الحرب الكلامية أثناء المحكامات والجلسات الخاصة بقضايا معتقلي الحراك الجزائري ورموز النظام السابق على حد سواء.
وكانت الملاسنة التي دارت بين نقيب المحامين عبد المجيد سليني وقاضي الجلسة خلال محاكمة رجل الأعمال، مراد عولمي، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس بعدما أدت إلى إصابة المحامي بوعكة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى.
وعلى إثر ذلك أصدر اتحاد منظمات المحامين بيانا وصف الحادثة بالتجاوز الخطير، وقرر الاتحاد مقاطعة العمل القضائي ليومين احتجاجا على مساس القاضي بحقوق الدفاع.
وبشكل عام يصف المحامي عبد الرحمن صالح علاقة القضاة بالمحامين في الجزائر بالطيبة التي يتخللها تصرفات شاذة من بعض الأطراف نتيجة انفعالات أو حماس زائد من هذا الطرف أو ذاك، وقال لـ سكاي نيوز عربية :"تحدث بين الفترة والأخرى هذه المناوشات وهي ليست أمرا جديدا وهناك قوانين تنظم ذلك".
ويرى المحامي عبد الرحمن أن نقيب القضاة أساء التقدير وتكلم في غير اختصاصه حيث كان عليه الاكتفاء بالحديث عن كيفية تحسين عمل القضاة وترك الأمور التي تتعلق بالمحامين للجهات المختصة.
من جهته أكد الحقوقي نور الدين أحمين، أن هذه الخلافات لا تخدم صورة الطرفين، وقال لـ سكاي نيوز :"من لديه أدلة فعليه أن يبلغ عنها لتفتح النيابة العامة تحقيقا، لا أن يطلق تصريحات بغرض التشهير بمهنة معينة".
وأشار أحمين أن مثل هذه الحروب الكلامية لا يجب أن تكون في الجزائر الجديدة، مشيرا إلى أن القضاء العادل يحتاج إلى احترام متبادل بين القاضي والمحامي، خاصة في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد والتي لا يزال النظام السابق يحاول العودة بكل الطرق عبر استغلال مثل هذه الهفوات.