في بلد غارق في أوحال الصراعات منذ ما يقرب من عقد من الزمان، ترعرع الفساد ودارت عجلة الزمان إلى الوراء فيما يتعلق بأوضاع المعيشة وظروف الحياة، يمضي عمر مصباح المغربي ساعات طويلة من يومه حبيس سيارته يجوب مصراتة، المدينة الساحلية التي يعيش فيها، باحثا عن غاز الطهي والوقود والخبز.
يقول المغربي وهو أب لأربعة أطفال إن دورة حياته اليومية معلقة بتأمين الاحتياجات الأساسية لأسرته، متنقلا بين ثلاث وظائف لينهض بالأعباء والمسؤوليات الملقاة على كاهله.
يعمل المغربي أستاذا جامعيا، ويدير ورشة لإصلاح السيارات في مرآبه، ويُمضي المساء في بيع التمور بسوق للخضار.
وتتطابق تفاصيل حياته الصعبة مع معاناة الكثيرين في مدن الغرب الليبي، كنتيجة لسنوات خيمت فيهن فوق الرؤوس سحب الاضطراب، والتناحر بين الميليشيات، وتراجع إنتاج النفط، المصدر الرئيسي للدخل في البلاد.
ويصف المغربي حياته اليومية بأنها "سلسلة من الصعاب".
ويقول "أُجبرت إني أبحث عن عمل تاني مساعد يساعدني شوية.. وخشيت (دخلت) في مجال كهرباء السيارات وبديت أشتغل فيه وفتحت ورشة من مدة شوية لكن معروف إيجار الورشة وإيجار المحلات كل يوم في الزايد.. وبيصبح إيجار الورشة عبء عليك لهذا أجبرت أن أخرج من الورشة وأفتح ورشة في بيتي".
وتضافرت عوامل الأزمة المصرفية مع نقص السيولة وجائحة كورونا التي زادت الأوضاع سوءا ليتسلم راتبه البالغ 900 دينار ليبي (655 دولارا) مرة كل شهرين.
وقال "الغريب إنك تسمع أرقاما كبيرة.. يصدروا في نفط.. يصدروا في غاز.. استثمارات خارجية يعني لما تقرأ الأرقام أين يذهبن الفلوس إذا كان لينا عشرات السنوات لم نشاهد أي تغير في البلاد ولا يوجد أي شيء ولم يبنوا أي حجر ولا عملوا شارع، ولو أمطرت تتوقف الحركة في الشوارع وكيف بتطلع من معاناة البنية التحتية إلي هي الطريق المرصوف مش موجود لا يوجد أي إعمار لم نسمع بأي شي جديد تم بناؤه لم نسمع ببناء مستشفي جديد... ولا مدرسة ولا مرفق عام أو خدمي.. طيب الفلوس إلي أين تذهب".
وقبل اندلاع انتفاضة 2011 التي أطاحت الزعيم الراحل معمر القذافي، واشتعال فتيل الاضطرابات، كانت المؤسسة الوطنية للنفط التي تديرها الدولة ومقرها طرابلس تضخ 1.6 مليون برميل في اليوم.
لكن أصبحت وسائل النقل العام نادرة، مع انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة ونقص الخدمات.
وفي الشهر الماضي أعلن فائز السراج رئيس الحكومة التي تسيطر على طرابلس أنه سيتنحى بحلول نهاية أكتوبر، لكن ليس من الوارد في اعتقاد مصباح أن يترتب على استقالة السراج أي تغيير.
وقال المغربي إنها لعبة "تبادل الكراسي"، مستبعدا أن يكون هناك من يقدم التنازلات من أجل ليبيا.
ووصف المغربي الظروف في ليبيا بأنها "لا تتيح فرصة للناس لكي يعيشوا حياة طبيعية" مسلطا الضوء على التغيرات التي حولت "أمورا كنا لا نحسب لها حسابا" إلى أشياء شديدة الأهمية.
وقال "معاناة رب الأسرة أصبحت مركبة.. معاناة الشباب لحياتهم المستقبلية أصبحت معاناة لا يستطيع الإنسان تخيلها.. ظروف الحياة الاجتماعية تغيرت عندنا بشكل كبير في أمور كنا لا نحسب لها حساب أصبحت هي المهمة جدا جدا.. كيف تعيش حياتك اليومية.. يعني الإنسان من الصعب إنه يعيش في حالة نفسية مستقرة في هدا الوضع للأسف مهما تحاول إنك تعيش حياة طبيعية الظروف ما تعطيكش (لا تعطيك) أي فرصة".