تنطلق في المغرب جولات جديدة من الحوار بين الحكومة والنقابات، بهدف التوصل إلى توافق بشأن مشروع قانون بشأن الإضراب، يثير جدلا كبيرا.
ويأتي هذا النقاش بعد مرور 58 عاما على أول نص دستوري يفتح الباب لوضع هذا القانون.
ونص أول دستور مغربي عام 1962 على الحق في الإضراب، وأحال على وضع قانون تنظيمي لتأطير وتحديد كيفية ممارسة هذا الحق.
وقد توالت الدساتير التي حافظت على روح الفصل 14 الذي يكفل حق الإضراب، لكن مشروع القانون التنظيمي ظل غائبا عن أجندات الحكومات المتعاقبة.
ومرت سنوات كثيرة، وصولا إلى عام 2011 الذي شهد انبثاق دستور جديد نص على وضع كل القوانين التنظيمية قبل انتهاء الولاية التشريعية الأولى التي تزامنت مع دستور "أحدث ثورة على مستوى الحقوق والحريات".
وقد أعدت الحكومة التي كان يقودها حزب العدالة والتنمية، برئاسة عبد الاله بنكيران 2011-2017، أول مشروع قانون تنظيمي لتأطير الإضراب في المغرب، وتمت المصادقة عليه في مجلس وزاري في الجزء الأخير من ولاية الحكومة عام 2016.
وأحيل مشروع القانون على البرلمان، لكنه لم يناقش أبدا، بسبب الرفض الكبير الذي واجهته به النقابات، والتي احتجت على مضامين الوثيقة وعلى عدم إشراكها في صياغتها.
وتحت ضغط النقابات طالبت الحكومة بتأجيل مناقشة مشروع القانون في يوليو 2017. وكان محمد يتيم وزير الشغل في الحكومة السابقة قد أكد حينها أن المطلب الحكومي يأتي ليفتح المجال للتشاور مع الشركاء الاجتماعيين، في إشارة إلى النقابات، من أجل الوصول إلى توافق.
ولم تخرج جولات الحوار التي قادها الوزير مع التمثيليات النقابية، بأي اتفاق، ليظل مشروع القانون "على الرف"، قبل أن تقرر الحكومة الحالية إخراجه مجددا.
لكن التاريخ أعاد نفسه، فقد كانت الحكومة تعتزم تقديم القانون للدراسة على اللجنة البرلمانية المختصة في 16 من سبتمبر الجاري، لكنها تراجعت في الساعات الأخيرة، تحت ضغط النقابات التي تمسكت برفضها لتمرير هذا القانون، والنتيجة التوجه، مجددا، نحو طاولة النقاش بين الحكومة والتمثيليات النقابية وأرباب العمل بحثا عن نص يرضي جميع الأطراف.
توقيت غير موفق
واتهمت النقابات الحكومة "باستغلال جائحة كورونا لتمرير مشروع القانون المثير للجدل"، واعتبرت أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، في ظل حالة الطوارئ الصحية، تقتضي سن قوانين تناسب المرحلة، وليس دراسة قانون الإضراب.
وأكد الأستاذ الجامعي المتخصص في قانون الشغل، العربي بلعثمان، أن تراجع الحكومة في اللحظات الأخيرة عن تقديم القانون للنقاش في البرلمان، كان أمرا بديهيا أمام تهديد النقابات بتنظيم إضراب عام في حال المصادقة على النص، موضحا أن الظرف الحالي لا يسمح بتوقف العجلة الاقتصادية.
وقال الأكاديمي المغربي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الحكومة مجبرة على فتح نقاش مع النقابات قبل طرح النص على البرلمان، مبرزا أن فصول هذا القانون تظهر "تحيز الحكومة لصالح أرباب العمل".
تقييد الحق في الاضراب
وتعتبر النقابات أن مشروع القانون الذي أعدته الحكومة، سيمنعها من ممارسة حقها الدستوري المتمثل في الإضراب.
ويتضمن النص القانوني 49 بندا، وينص في المادة 5 على أن "كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا".
ويوجب مشروع القانون حسب المادة 7، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل خوض الإضراب.
أما في حالة الإضراب، فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الاحتجاج، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها.
ويمنع، حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية، اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل.
وتعتبر المادة 14 من أبرز البنود التي أثارت جدلا كبيرا، وتنص على اقتطاع عدد الأيام التي توقف فيها المضرب عن العمل، من الأجر الشهري.
الأجر مقابل العمل
وفي تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" اعتبر أستاذ القانون الدستوري عبد العزيز القراقي، أن الحكومة السابقة برئاسة عبد الإله بنكيران هي التي أسست لمبدأ "الأجر مقابل العمل".
وهي مقولة لطالما رددها القيادي في حزب العدالة والتنمية وطبقها خلال ولايته كوسيلة للضغط على الطبقة العاملة، وأردف القراقي أن "هذا المبدأ يفرغ حق الإضراب من محتواه كما هو متعارف عليه في المواثيق الدولية".
وتوقع الأكاديمي المغربي، أن يستغرق الحوار بشأن مشروع القانون التنظيمي المؤطر للإضراب وقتا طويلا قبل أن يخرج إلى حيز التنفيذ.
وشبه الأستاذ الجامعي هذه الوضعية، بقانون مدونة الشغل، الذي استغرق النقاش حوله 10 أعوام قبل أن يرى النور سنة 2003، وكذلك الأمر بالنسبة لمدونة الأسرة التي أثارت جدلا كبيرا قبل ان يتدخل عاهل البلاد الملك محمد السادس للمساعدة على تقريب وجهات النظر.