جددت الجزائر عزمها إعادة بعث مشروع السد الأخضر الذي يعد واحدا من ابرز المشاريع التي أطلقها الرئيس الراحل هواري بومدين، عام 1971.

وتأتي ضرورة الاهتمام  بهذا المشروع العملاق كأولوية لوقف زحف الرمال نحو الشمال، وجاء القرار خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير الذي ترأسه الرئيس عبدالمجيد تبون ،أمس الأحد.

وأضافة إلى أهدافه الاقتصادية والمناخية، يكتسي السد الأخضر  رمزية تاريخية، وبمجرد الحديث عنه تعود الذاكرة إلى فترة هامة من تاريخ الجزائر عندما اختارت البلاد التوجه إلى النظام الإشتراكي عقب إستقلال البلاد.

 وقد ساهم في تشييد مشروع السد الأخضر أكثر من 20 ألف جندي جزائري قاموا بتشجير نصف مليون هكتار بأشجار الصنوبر على طول 1700 كيلومتر في مناطق الوسط الجزائر التي تفصل الصحراء عن الهضاب العليا. وقد خلق المشروع أكثر من 400 قرية زراعية.

وسعى بومدين إلى بناء اقتصاد خارج ريع البترول الذي يشكل نسبة 97 بالمئة من الاقتصاد الجزائري.

ويضاف إلى مشاريع الجزائر الواعدة في السبعينيات، مشروع طريق الوحدة الإفريقية الذي خطط له بومدين بهدف فك العزلة عن الجنوب، وهما جزء من مشاريع توقفت بعد رحيل بومدين وأهملت بعضها مما أثر على الفلاحة بشكل عام والتنمية المستدامة ومخطط محاربة التصحر.

ويبدو تأثر الرئيس تبون بالراحل هواري بومدين جليا، وقد استشهد بمواقفه عدة مرات في خطابته واصفا إياه بالرجل  الذي كان يريد بناء دولة قوية عبر تنويع مصادر الاقتصاد وهو ما تسعى إليه الجزائر عبر رفع مستوى التبادل التجاري مع الدول الأفريقية والاهتمام أكثر بالمناطق الصحراوية وتطوير شبكة السكة الحديدية لتصل إلى الجنوب.

وتأتي خطوة السد الأخضر ضمن المخطط الوطني الجزائري 2020-2030  الذي تم اعتماده من قبل اللجنة الوطنية للمناخ وفريق من الخبراء والباحثين، على أن تكون الانطلاقة عبر  155 عملية.

ويرى رئيس منظمة فلاحة "اينوف" أمين بن سمان أن هذه الخطوة هي استمرار للمشروع السد الأخضر وليست إعادة انطلاق، وقال لـ "سكاي نيوز عربية" إن هناك العديد من النتائج الإيجابية التي حققها السد الأخضر واستمراره اليوم يأتي في إطار التنمية الزراعية بهدف حماية المناخ والاقتصاد، ومن شأنها حماية الأمن الغذائي الذي يعتبر أكبر تحدي أمام الجزائر اليوم.

أخبار ذات صلة

الجزائر تتجه للدفع الإلكتروني لمواكبة العالم المالي
الجزائر.. قائمة المواد الممنوعة من التصدير لا تحظى بالإجماع

تصحيح الأخطاء

خلصت أحدث دراسة قامت بها المديرية العامة للغابات في الجزائر بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، إلى أن السد الأخضر خسر خلال الأربعين سنة الماضية أكثر من 50 بالمئة من قدرته الغابية، وقد عانى  من الإهمال، ما أدى  إلى تراجع مساحة الغابات في البلاد بشكل عام من خمسة ملايين هكتار إلى 3.2 مليون هكتار.

وتأثر السد الأخضر بفعل الإهمال البشري واتساع البناء الفوضوي والرعي العشوائي، وأيضا بالعوامل الجوية والتغيير المناخي، بعدما تقلصت الأمطار في المناطق التي يمر عبرها، من 300 ملم إلى مئة ملم من الأمتار، وهو ما يستدعى حسب الخبراء ضرورة مراجعة مسار السد.

وتشدد المادة 19 من الدستور الجزائري على ضرورة حماية الأراضي الفلاحية، وقد سنت الجزائر قانونا عام 2018 للحفاظ على المناطق الزراعية والغابات شدد على تجريم استغلال المناطق الخصبة للبناء والعمران، وذلك بعدما تم تحويل أكثر من أربع آلاف هكتار من المناطق الزراعية إلى مناطق صناعية.

 ويرى الخبراء أن تشديد الجزائر الجديدة على قرار الاهتمام أكثر  بالسد الأخضر سيساهم في حماية الأراضي الزراعية، وخلق المزيد من مناصب الشغل وإنشاء مؤسسات مصغرة لتمويل ودعم الزراعة، وهو التوجه الذي أعلن عنه وزير الطاقة عبد المجيد عطار الذي أشار في وقت سابق إلى أن الجزائر تريد الجزائر التوجه نحو مجال الفلاحة والاستثمارات الجديدة لخلق مناصب الشغل والثروة وتحقيق الأمن الغذائي.

حلم الأمن الغذائي

ويخشى المراقبون من أن تتوقف القرارات عند حدود التصريحات وأن لا تخرج من خطاب القاعات المغلقة، فقد سبق وأن تحدث كبار المسؤولين في عهد النظام السابق عن السد الأخضر ولكن النتيجة كانت عكسية، ويرى المراقبون أن الظروف اليوم قد تغيرت، وقد بات على الجزائر ضرورة البحث عن بدائل مستعجلة لاقتصاد البترول.

وقال الخبير في الفلاحة عيسى منصوري أن المساحة التي يمكن للجزائر استغلالها في هذا الإطار تتجاوز العشرون مليون هكتار من الأراضي الخصبة التي يمكن تحويلها إلى حقول ومزارع في حال تضافرت جهود الإرادة السياسية بحسن التسيير المحلي لدعم الاقتصاد على أمل الوصول إلى الأمن الغذائي الذي لا يزال حلما بعيد الأمد.

وخلال الأشهر الماضية، تفوقت مداخيل الجزائر من الفلاحة على مداخيلها من البترول المقدرة بـ 25 مليار دولار، وهو ما أعلن عنه الرئيس تبون، متفائلا بأن الجزائر ستتمكن من تجاوز الأزمات الاقتصادية بدعم الفلاحة، مشيرا إلى أن يتطلب الأمر يتطلب إرادة حقيقة ورفع الروح المعنوية والوطنية لدى الفلاحيين.

وتزامن هذا الإعلان مع تراجع أسعار النقط في الأسواق العالمية، ما يعني أن ما ينتظر الجزائر الكثير من العمل لتحقيق النهضة الزراعية، كما تشير الأرقام إلى أن الجزائر لا تقوم حاليا إلا بتصدير التمور إلى الخارج بقيمة 51 مليون دولار.