"خلاص تعبنا "، "فبراير لن تصمت أكثر أيها اللصوص"، "لا كهرباء ولا ماء"، "ارحل يا سراج".. هذه بعض من الشعارات والهتافات التي رددها ليبيون خرجوا في تظاهرات بالعاصمة طرابلس وعدد من مدن الغرب الليبي، مساء الأحد.
ربما تسلط هذه الشعارات الضوء على بعض الأسباب التي رفعت من مستوى الغليان بين سكان ليبيا، ولا سيما الشبان، ضد حكومة فايز السراج التي تسيطر على العاصمة ومناطق الغرب الليبي.
وتظاهر مئات الليبيين تظاهروا، مساء الأحد في طرابلس للتعبير عن غصبهم إزاء تدهور الظروف المعيشية والفساد في بلاد تشهد نزاعات مسلحة منذ سنوات، وتعوم على بحر من النفط، وفق "فرانس برس".
ولم تفض التظاهرة إلا بعد أن أطلق قوات الأمن النيران على المتظاهرين، في حين وردت تقارير عن وقوع إصابات.
ورأى الكاتب السياسي الليبي ،عز الدين عقيل، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية" أنه من الطبيعي أن تواجه حكومة السراج الاحتجاجات بالنار، فهي تعرف تماما أنها كيان فاقد للشرعية، ولا تتمتع بأي دعم شعبي مهما تواضع، والليبيون يحملهونها مسؤولية الفساد و يعتبرونها"حكومة عملية للخارج".
وهتف المتظاهرون وغالبيتهم من الشبان "ليبيا! ليبيا!" و"لا للفساد" مؤكدين أنهم ضاقوا ذرعا من تدهور الخدمات، والانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه وطوابير الانتظار الطويلة أمام محطات توزيع الوقود.
وعبر الهاتف قال المتظاهر العشريني أيمن الوافي لوكالة فرانس برس "نحن تعبنا... يكفينا ما نحن فيه... كفانا العيش بدون أمل بعكس باقي الناس!".
وكانت التظاهرات قد انطلقت قبل طرابلس في عدة مدن غربي ليبيا في الأيام الأخيرة، إذ أفادت وسائل إعلام ليبية بخروج تظاهرات في الزاوية لليوم الثالث على التوالي، احتجاجا على تردي الخدمات ونقص السيولة وتنديدا بوزير الداخلية فتحي باشاغا، بعد أن قامت ميليشياته بتفريق تظاهراتهم.
وشهدت مدن أخرى مثل تاجوراء وصبراتة مظاهرات مماثلة.
الفساد المستشري
ليبيا ليست غارقة في الفوضى فحسب، بل إنها غارقة أيضا في الفساد، إذ تحتل المرتبة رقم 168 من أصل 180 دولة مدرجة على قائمة منظمة الشفافية الدولية عام 2019، علما بأن كانت في المرتبة 146 قبل اندلاع الانتفاضة التي أطاحت بحكم القذافي.
ولم تحصل ليبيا سوى على 18 نقطة من أصل 100، حسب معيار المنظمة الدولية.
وفي السنوات الأربع الأخيرة، أي في ظل حكومة الوفاق، كانت الأرقام متدنية للغاية تراوحت بين 14- 18 نقطة، رغم أن هذه الحكومة تدعي أنها شرعية ومدعومة من الأمم المتحدة.
وعبر ديوان المحاسبة الليبي، أحد أجهزة الرقابة في البلاد، عن "قلقه وحزنه" على احتلال ليبيا موقعا متدنيا في هذه القائمة، التي من أسبابه المحاصصة القبلية والجهوية عند تولي المهام القيادية في الدولة".
وفي مثال يظهر الفساد المستشري في ليبيا، دعا ديوان المحاسبة وزارة الاقتصاد إلى إطلاق بوابة تعنى بنشر مناقصات للمشتريات، رغم أن هذه الأمر من بديهيات الشفافية.
ويعلق الكاتب والباحث السياسي، كامل مرعاش، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية" على الأمر قائلا: "بطبيعة الحال حكومة السراج غارقة في الفساد والطغيان ولم تعط أي اهتمام بمستقبل الشباب".
وحاول السراج في الآونة الأخيرة إظهار نفسه في صورة مكافح الفساد، عبر عقد لقاءات مع الهيئات الرقابية في ليبيا، لكن صحيفة "هيرالد ليبيا" الناطقة بالإنجليزية قالت إن الحكومة تشدقت كثيرا بالشفافية ومحاربة الفساد.
وأضافت "غير أنه بغياب قوة خارجية مثل البرلمان وشعب ينتخب ممثليه عبر انتخابت ديمقراطية فلن تقدم الحكومة على اتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الملف".
أين الأموال؟
ويبلغ عدد سكان ليبيا المترامية الأطراف نحو 6.8 مليون نسمة فقط، في حين أنها تعوم على أكبر احتياطي من النفط في أفريقيا كلها، وتنتج يوميا ما معدله أكثر من مليون برميل نفط، لكن هذا المعدل يتأثر كثيرا بسبب التطورات الأمنية.
ورغم سنوات الحرب والفوضى في ليبيا، إلا أن الظروف المعيشية كانت مقبولة نوعا ما، لكن الأمر ازداد سوءا في الأشهر الأخيرة على هذا الصعيد، فالموظفون لم يتلقوا رواتبهم منذ أشهر، بسبب خلافات بين وزارة المالية ويترافق الأمر مع غياب سيولة في المصارف.
وتقول وزارة المالية في حكومة فايز السراج إن 300 ألف موظف لم يتلقوا رواتبهم، فيما تم تخفيض رواتب آلاف غيرهم.
أسباب سياسية ومعيشية
ويقول الكاتب الليبي، عز الدين عقيل، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن حياة الليبيين سواء أكانت السياسية او الاقتصادية أو الأمنية تدفع الناس إلى الخروج في الشوارع للاحتجاج.
وأضح عقيل أن الليبيين يواجهون العنف والخطف والفوضى التي نتجت عن صراعات الميليشيات، والفساد المستشري في البلاد، فالأموال تنهب فور خروجها من البنك المركزي ووصوله إلى القطاع الذي يفترض أنه يستخدمه في خدمة المواطنين.
ورأى عقيل أن "الفساد الرجيم" الذي يضرب ليبيا بلغ مستويات غير مسبوقة، فهو يتعدى المعايير الدولية، ويصاحب ذلك تردي الأوضاع المعيشية إلى درجات سيئة للغاية، في ظل إهمال السلطات للمواطنين، الذين لا يشعرون بوجود أحد يدير شؤونهم.
ويقول مرعاش إن "المظاهرات الواسعة التي خرجت في مدن الغرب الليبي وعلى وجه الخصوص العاصمة طرابلس ومدينة الزاوية، تعكس أيضا التذمر والانتهاكات التي تمارسها ميليشيات السراج ضد المدنيين".
وتابع مرعاش: "تفجر الحراك بعد انعدام الاحتياجات الاساسية للحياة، مثل الكهرباء والماء والرواتب، وانعدام افق أي مستقبل للشباب ، وسط عمليات فساد غير مسبوقة، يقوم بها مسؤولون في حكومة الوفاق وزعماء المليشيات".
ولفت أيضا إلى وجود العسكريين الأتراك والمرتزقه السوريين الذين يتقاضون 2000 دولار شهريا في حين لا يحصل الليبيون حتى على مرتباتهم بسبب انعدام السيولة في المصارف.
غالبية المتظاهرين من الشباب
وكان واضحا في مقاطع الفيديو المتداولة عن الاحتجاجات في ليبيا وجود نسبة كبيرة للغاية من الشباب.
وفسر مرعاش مشاركة الشباب الواسعة بـ"انعدام أي مستقبل للشباب في ليبيا، فالآلاف منهم يركبون البحر نحو أوروبا هروبا من جحيم ميليشيات السراج، التي نهبت كل شيء في ليبيا".
وقال:" العشرات ماتوا غرقا في البحر قبل الوصول الى الشواطيء الإيطالية، وهو ما زاد من وتيرة الغضب لدي فئة الشباب، في الوقت الذي يرون فيه المرتزقة وهم ينالون رواتبهم وهم سعداء في ليبيا".