حولت جائحة كورونا متعة الصيف على الشواطئ المغربية إلى كابوس، حيث أغلقت الشواطئ في كبريات المدن الساحلية، بين تلك المطلة على البحر المتوسط كطنجة والممتدة على سواحل المحيط الأطلسي كالصخيرات وهرهورة بضواحي الرباط، وذلك خوفا من تفجر بؤر وبائية.
فيما من المرتقب أن تغلق شواطئ الدار البيضاء ابتداء من الثاني والعشرين من أغسطس، حسب بلاغ حكومي صدر الخميس، وتضمن قرارا جديدا بإغلاق عدد من المرافق العمومية وتقييد نشاط أخرى وكذا تقييد حرية التنقل بمدن الدار البيضاء ومراكش وبني ملال بعد تسجيل بؤر وبائية جديدة.
ويشير البلاغ الحكومي الجديد إلى الاستمرار في تطويق أحياء كبرى تحولت إلى بؤر وبائية، في العاصمة الاقتصادية.
وعملية تطويق الأحياء وما يصاحبها من انتشار كثيف لقوات الأمن لمراقبة وتقييد حركة التنقل، لا تقتصر فقط على الدار البيضاء، بل تشمل أحياء تضم آلاف السكان بكل من مراكش وطنجة والرباط وسلا.
وبعد أن كانت الحواجز الأمنية قد اختفت بشكل شبه كامل، مع إعلان الحكومة عن دخول المرحلة الثالثة من تخفيف الحجر الصحي في التاسع عشر من يوليو الماضي، عادت تلك الحواجز لتنشر من جديد وبشكل ملحوظ بعدد من المدن خاصة تلك التي تشهد انتشارا واسعا لفيروس كورونا.
وتزامن الانتشار الأمني مع منع التنقل إلى مراكش وطنجة والدار البيضاء وفاس، مع تحديد توقيت معين لإغلاق المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي التي منعت من نقل مباريات كرة القدم تجنبا للاكتظاظ.
وتشهد الوضعية الوبائية منذ مدة تطورا مقلقا، يصفه البعض بموجة ثانية من الفيروس، يتسم بتسجيل حصيلة قياسية لعدد الإصابات اليومية وأرقام الوفيات المرتفعة، التي انتقلت في ظرف شهر واحد من معدل يومي، لا يتجاوز ثلاث وفيات كأقصى حد، إلى حصيلة تلامس الثلاثين وفاة في اليوم. وتسجل أسبوعيا حصيلة إصابات تعادل تلك سجلت سابقا في ظرف ثلاثة اشهر.
بفرض قيود مشددة، هل يعود المغرب للحجر الصحي الشامل؟
الحكومة المغربية لم تضع سقفا زمنيا محددا لرفع الإجراءات الاحترازية الجديدة التي "سيبقى تخفيفها رهينا بتطور الحالة الوبائية في المدن المعنية" حسب بلاغ حكومي، لكن تلك الإجراءات تثير مخاوف المواطنين من عودة الحجر الصحي الشامل.
وفي تدوينة على فيسبوك حيث يتابعه قرابة المليون شخص، كتب مصطفى سوينغا وهو شاب من أشهر صناع المحتوى في المغرب "هناك أخبار متداولة عن إمكانية تشديد حركة التنقل واغلاق قاعات الرياضة وملاعب القرب، كما كان الوضع في فترة الحجر الصحي الشامل".
تفاعل مع التدوينة حوالي ثلاثة آلاف شخص، معظمهم عبر عن رفضه العودة إلى الحجر المنزلي.
وقد شكك البعض في جدوى الإجراءات التقييدية التي تفرض في مدن دون أخرى، فيما استنكر آخرون التبعات الاقتصادية التي طالتهم جراء الحجر الصحي الذي استمر ثلاثة أشهر.
"حجر صحي جزئي"
في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، وصف عبد العزيز قراقي، خبير علم الاجتماع، الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات في الأيام الأخيرة "بالحجر الصحي الجزئي الذي يهدف إلى تطويق رقعة انتشار فيروس كورونا الآخذة في الاتساع"، لكنه فسر في المقابل امتعاض المواطنين من القيود المفروضة، بما اعتبره "العشوائية في فرض بعض التدابير، كمنع التنقل بين المدن، دون إخطار سابق".
وأضاف أن مزاج المواطن في فصل الصيف المرتبط بالاستجمام والسهر لن يقبل الحجر الصحي المنزلي خلافا لما كان عليه الوضع في شهر مارس.
وفي حديث خص به موقع "سكاي نيوز عربية"، يؤكد أستاذ القانون الدستوري عبد العزيز قرارقي أن المغرب يعيش حالة طوارئ صحية تستمر إلى غاية العاشر من سبتمبر المقبل و "هي وضعية قانونية تسمح للحكومة بفرض الحجر الصحي الشامل إذا تبين لها انه إجراء كفيل بحماية صحة المواطن".
ويؤكد الخبير القانوني أنه "بموجب حالة الطوارئ الصحية تمنح صلاحيات واسعة للسلطات المحلية في كل جهة لاتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة انتشار الفيروس، وهو ما يفسر التدابير المتخذة حاليا في بعض المدن دون أخرى".
الحكومة تتجنب الخيار الصعب
وزارة الصحة كانت أعلنت سابقا أنها لا تستبعد إمكانية العودة الى الحجر الصحي في ظل ما وصفته بمؤشر خطير على مستوى الحالة الوبائية لكنها اكدت في المقابل نهجها فرض تدابير احترازية في المدن والأقاليم التي تسجل بها بؤر وبائية.
ولا يبدو أن الحكومة المغربية تفضل العودة إلى الحجر الصحي الشامل لما له من تبعات قاسية على الاقتصاد الوطني.
وكان وزير الاقتصاد محمد بنشعبون، قد أكد قائلا: "كيفما كانت الوضعية الوبائية مستقبلا فإنه لا يمكن التفكير في فرض الحجر الصحي الشامل".
وتابع الوزير "واقع المؤشرات والأرقام جعل الدولة لا تفكر في العودة للحجر".
ومن المرتقب أن يتراجع الاقتصاد المغربي مع نهاية السنة الحالية بنسبة قياسية تقدر بحوالي ناقص ثمانية في المئة، متأثرا بتداعيات فيروس كورونا.