تيه يكسو وجوه أهالي منطقة سمنود بمحافظة الغربية، منذ علمهم بوفاة 3 من أبناء القرية في انفجار بيروت المروّع الثلاثاء الماضي، بينما ينتظر ذويهم وصول الجثامين لدفنهم في مقابر العائلة، وعقولهم لا تتوقف عن استعادة ذكرياتهم مع الضحايا.
ووقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت مساء الثلاثاء، في مخزن ممتلىء بأطنان من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، ما أسفر عن مقتل 154 شخصا وإصابة نحو 5 آلاف حالة حتى الآن، بحسب وزير الصحة اللبناني، حمد حسن صباح.
ونعت سفارة مصر في لبنان 3 من مواطنيها توفوا جرّاء الانفجار، وهم رشدي الجمل وعلي إسماعيل وإبراهيم عبدالمحسن، وجميعهم من سمنود بالغربية، مُعربة عن خالص التعازي لذويهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل الجثامين إلى مصر.
وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية، أكد محمد السيد، عم الشاب الراحل عبدالمحسن، أنه تلقى اتصالا هاتفيا من سفير مصر بلبنان موضحا: "تم إبلاغنا بأنه هناك طائرة ستنقل فقيد الأسرة وباقي الضحايا خلال أيام".
وأضاف السيد قائلا: "حتى الآن لا تعلم الأم بوفاته، أخفينا الخبر خوفا على صحتها، ويحاول والده وشقيقتيه التماسك قدر الإمكان".
وسافر الشاب العشريني عبدالمحسن منذ 3 أعوام ونصف إلى بيروت بحثا عن مصدر رزق لأسرته، وجمع مبلغ مالي من أجل الزواج.
وقبل ساعات من الحادث الأليم، تواصل عبدالمحسن مع والده هاتفيا لإخباره باقتراب عودته إلى مصر في إجازة لعدة أيام وسط فرحة من أفراد أسرته، حسبما ذكر السيد.
ويعلم الجميع من أبناء قريته كيف خاض الراحل تجربة مريرة للحصول على فرصة عمل داخل مرفأ بيروت، كما يشير عم عبدالمحسن، ونجاحه في توفير مسكن له برفقة عدد من أصدقائه المصريين من بينهم رشدي الجمل، قبل أن ينهار كل شيء مع الانفجار.
وأعلنت مصر بعد ساعات من الحادث، عن إطلاق جسر جوي من القاهرة إلى بيروت لنقل الأدوية والمستلزمات الطبية المطلوبة، وإيفاد عدد من الأطقم الطبية الجاهزة للمشاركة في أعمال الإغاثة والإسعاف الطبي.
وفي لبنان أعلنت الحكومة فرض حالة الطوارئ لمدة أسبوعين، وفتح تحقيق عاجل لمحاسبة المسؤولين عن وجود نترات الأمونيوم داخل مستودع في المرفأ لأكثر من 6 سنوات.
وبعد انتشار فيديوهات قصيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمشهد انفجار المستودع، تملكت حالة من الفزع أسرة رشدي الجمل وفق عبدالرحيم محمد، أحد أهالي القرية، الذي تحدث لموقع "سكاي نيوز عربية" موضحا أن محاولات الاتصال برشدي باءت بالفشل ليتم الإبلاغ عن اختفائه.
ودامت عمليات البحث عن رشدي الذي يبلغ من العمر 25 عاما لساعات، حيث توجه زملاؤه بالسؤال إلى محطة الوقود التي يعمل بها، وانطلقوا للأماكن التي يعتاد الذهاب إليها على مدار 12 عاما عاشها في بيروت منذ جاءها طفلا، حتى عُثر عليه بين الأنقاض في منطقة قريبة من المرفأ.
ووفق محمد الذي يسكن في بيت مقابل لمنزل رشدي، فإن الأخير كان ينوي العودة إلى مصر قريبا لإتمام زواجه والاستقرار بعد سنوات طويلة من الغربة، لكن الحادث قضى على آماله.
ولا تعرف والدة رشدي أيضا بخبر وفاته، حيث تم إبلاغها بأنه مُصاب في أحد مستشفيات بيروت، بينما لا تتوقف الاتصالات بين والده وعدد من الشباب المصريين في لبنان لمعرفة موعد وصول الجثمان.
وداخل مخفر شرطة في بيروت، يستكمل الشاب المصري محمد المغربي الأوراق المطلوبة لنقل جثامين الضحايا، حيث يشير في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن السفارة المصرية تنوي إرسالهم إلى الوطن في صباح الغد.
وتنقل المغربي مع عدد من المصريين بين المستشفيات للبحث عن عبدالمحسن حتى شاهد جثمانه داخل ثلاجة مستشفى "أوتيل ديو" في بيروت، وعلى الفور أبلغ السفارة وذويه.
وأمضى المغربي الساعات الأخيرة في جولات لإصدار وثيقة سفر لأصدقائه الراحلين، واستلام تصريح الوفاة من الطبيب الشرعي، ونقل كافة الأخبار إلى أسرهم.
ويمر الوقت ببطء داخل سمنود فيما لا تكف زوجة علي إسماعيل عن البكاء، حيث ترك الرجل الأربعيني خلفه 3 أطفال وكثير من الألم بعد التأكد من وفاته إثر انهيار المنزل الذي يقطنه مع جرّاء الانفجار، كما أكد حامد حمودة، أحد أفراد أسرته لموقع "سكاي نيوز عربية".
وينتظر الأهالي الوداع الأخير مع الراحلين، وتلقوا خلال الساعات الماضية تأكيدا من وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، السفيرة نبيلة مكرم، بسرعة إنهاء الأوراق المطلوبة لنقلهم إلى البلاد في الساعات الأولى من يوم غد، وفق حمودة.
وخلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء المصري، الخميس، أكدت مكرم على اهتمام الحكومة بالأمر، مشددة على أن الوازرة تتابع أولا بأول الموقف مع الجالية المصرية في لبنان.