تجدد الجدل في تونس حول استقلالية القضاء ومحاولات اختراقه من طرف جهات سياسية فاعلة، في أعقاب مطالبة الرئيس قيس سعيد أمس الأربعاء، بالتحقيق في التلاعب بسير قضية تخص حادث سير تسبب في إلحاق أضرار بسيارة فارهة على ملك الدولة ضد وزير النقل المُقال، أنور معروف والذي ينتمي لحزب حركة النهضة.
وكان الرئيس سعيد قد كشف في لقائه بوزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، غازي الشواشي، عن متابعته للقضية منذ البداية، مشيرا بالقول "كنت أتوقع أن تأخذ مجراها أمام العدالة بصفة واضحة لكن يتم تدليس المحضر ثم بعد ذلك يغيب المحضر عن المحكمة الابتدائية بتونس".
وأضاف في مقطع فيديو بثته الرئاسة بصفحتها الرسمية على موقع فيسبوك "هذه الممارسات التي ما زال البعض يعتقد أنها من الممكن أن تستمر لن تتواصل، أنا هنا ابتليت بهذه المسؤولية ولن أتردد لحظة واحدة في القيام بما يمليه القانون".
وبدأت القضية في مارس الماضي، عندما قام وزير النقل، أنور معروف، بتسليم سيارته الوظيفية لابنته لقيادتها، فتسببت في حادث سير، إلا أن الوزير نفى ذلك، مشيرا في تصريحات صحافية في مايو الماضي إلى أن "ابنته كانت على متن السيارة عند تعرضها لحادث مرور وأن سائق الوزارة هو من كان يقود السيارة".
قضية تُخفي أخرى
لكن أطوار القضية لم تتوقف عند مطالبة الرئيس بالتحقيق، فقد نفى القضاء أن تكون القضية قد جرى فيها أي تلاعب، وقال رئيس وحدة الإعلام والاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس ونائب وكيل الجمهورية محسن الدالي، "إن ما تم تداوله حول ضياع المحاضر والملفات المذكورة لا أساس له من الصحة".
وأكد الدالي في تصريح لإذاعة محلية أن ''النيابة العامة تعهدت بتلك المحاضر خلال شهر أبريل ووجهت التهم إلى كل من ابنة الوزير السابق أنور معروف وسائقه، لكن المحكمة قررت تأخير القضية إلى جلسة يوم 21 نوفمبر 2020 لاستدعاء المتهمين لاتمام محاكمتهم''.
غير أن التاريخ الذي أقرته المحكمة لقضية الوزير، وفقاً لنائب وكيل الجمهورية، أثار جدلا واسعاً وزاد من الغموض حول شكوك التلاعب بسير التحقيقات، إذ يصادف تاريخ 21 نوفمبر، يوم سبت وهو عطلة رسمية إدارية في تونس تشمل قطاع المحاكم والعدل.
من جانبها، ردت الرئاسة التونسية على النفي القضائي، مؤكدة على أن ملف القضية "لم يكن موجودا إلى حدود منتصف يوم الأربعاء بين الملفات المعروضة علی المحكمة، وقد تمّ التثبت من ذلك في أكثر من مناسبة، كان آخرها ظهر هذا اليوم (الأربعاء)".
وأضافت الرئاسة في بلاغ نشرته وكالة الأنباء الرسمية مساء أمس، "تتمّ متابعة عديد الملفات الأخری، سواء تلك المحفوظة أو تلك التي يراد التعتيم عليها أو إخفاٶها"، الأمر الذي يشي بأن الرئيس سعيد يتجه نحو فتح جميع الملفات القضائية التي تثير جدلاً.
توظيف القضاء في قضية الجهاز السري
في سياق آخر، كشفت هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، الخميس، عن أن محكمة التعقيب (النقض) قد قررت سحب ملف قضية الجهاز السري لحركة النهضة، من المحكمة الابتدائية بتونس وإحالته إلى محكمة أريانة (شمال العاصمة).
يأتي هذا القرار، بعد أن اتهمت الهيئة وكيل الجمهورية في محكمة تونس، بشير العكرمي، بمحاولة "تعطيل كشف الحقيقة في قضية الجهاز السري".
وقالت إيمان قزارة، عضوة هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية":" للأسف ولسنوات قام السيد العكرمي باعتباره وكيلاً للجمهورية، بالعديد من الإجراءات لحماية حركة النهضة وجهازها السري من يد العدالة، من خلال فتح بحث تحقيقي ضد مجهول، في محاولة لحماية القيادات الأمنية والسياسية لحركة النهضة لإخفاء غرفة كاملة من الوثائق قام بفتح البحث ضد مجهول رغم أنه معلوم للجميع، وهذا يعني منع المتضررين من الحصول على مركز قانوني في الملف وتقديم ما لها من مؤيدات إلى حين توجيه الاتهام إلى أشخاص طبيعيين وهي عملية قد تدوم سنوات".
واعتبرت قزارة قرار محكمة النقض بسحب ملف القضية من محكمة تونس، إلى محكمة أخرى، "سيغير مجرى القضية ويطلق يد قاضي التحقيق في بحثه عن الحقيقة، وبالتالي تعطل دور بشير العكرمي في مسار طمس الحقيقة، في قضية الجهاز السري لحركة النهضة والغرفة السوداء بوزارة الداخلية، بعد سنوات من نجاح النهضة في اختراق القضاء ومحاول توظيفه لخدمتها"
وكانت هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي كشفت، في أكتوبر 2018، عن وجود "غرفة سوداء في وزارة الداخلية تتضمن وثائق مسروقة من ملف قضائي عثر عليها بحوزة المتهم مصطفى خضر"، مؤكدة "وجود جهاز سري لحركة النهضة يقف وراء عمليتي اغتيال بلعيد والبراهمي".
إلى ذلك، كشفت هيئة الدفاع عن شكري بالعيد ومحمد البراهمي، خلال مؤتمر صحفي عقدته اليوم في العاصمة تونس، عن توجيه القضاء الاتهام رسميا لمصطفى خذر، المشرف على الجهاز السري لحركة النهضة، في اغتيال المعارض، محمد البراهمي، في يوليو 2013، وأشارت الهيئة إلى أنه بهذه الخطوة "يصبح الجهاز السري لحركة النهضة جزء من منظومة الاتهام بما هو معطى قضائي جديد وليس معطى هيئة الدفاع".