خرج وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو بتصريح يتعارض مع المطالبات الدولية لحماية الليبيين، قائلا إن وقف إطلاق النار "غير مفيد في الوقت الراهن"، فيما رأى محللون أن أنقرة باتت مسيطرة بالكامل على حكومة فايز السراج في طرابلس، غير آبهة بحياة المدنيين المتضررين من الصراع.
وقال جاويش أوغلو في مقابلة مع قناة "خبر ترك" التركية، الاثنين، "إن حكومة السراج لن تستفيد في حال إعلان وقف لإطلاق النار الآن على امتداد خطوط القتال الحالية".
ورأى الكاتب والباحث السياسي الليبي كامل مرعاش، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية" أن تصريح وزير الخارجية التركي له دلالة واحدة، هي أن "تركيا هي التى تسيطر على حكومة السراج".
وأضاف مرعاش أن حكومة السراج "باتت مرتهنة تماما للإملاءات التركية، وهذا يجعلها حكومة لا تمثل ليبيا مطلقا".
احتلال لا يهمه مصلحة الليبيين
واعتبر أن تركيا تتعامل مع شمال غرب ليبيا كـ"ولاية عثمانية"، أو في أحسن الأحوال مثل قبرص التركية، رقم اختلاف التاريخ والجغرافيا، و"هذا يسمي احتلالا. حكومة السراج أشبه ما تكون بحكومة فيشي بفرنسا عندما تم احتلالها من قبل النازيين الألمان".
وقال مرعاش إن "آخر شيء يفكر فيه (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان هو الليبيون وعملية السلام في بلادهم"، وأضاف أن "أردوغان تعود على الحروب والجرائم ضد أكراد بلاده وفي سوريا والعراق".
ولفت إلى أن الرئيس التركي "ذهب إلى ليبيا وهو يعرف أن حكومة السراج ستسقط ولم تعد تمثل الليبيين، وهذا يعني أن شرعيتها الدولية قد تآكلت، وهو ما سيمكنه من السيطرة عليها، وسيتخذ القرارات التي تنسجم مع مصلحة تركيا، لأنه يعرف أن الشعب الليبي لا يرحب بالوجود التركي".
سرت والجفرة
وفي المقابلة ذاتها، قال جاوش أوغلو إنه "لا بد لحكومة السراج السيطرة على مدينة سرت الساحلية والقاعدة الجوية في الجفرة، قبل أن توافق على وقف إطلاق النار".
أما الكاتب عز الدين عقيل، فأرجع إصرار تركيا على الزحف نحو سرت والجفرة، إلى خشيتها من عودة الجيش الوطني إلى مشارف طرابلس في أي لحظة.
وأضاف في تعليق لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن تركيا تريد تأمين حكومة السراج من خلال سيطرتها على سرت والجفرة، مشيرا إلى أن هذه خطوة سابقة للتمدد نحو الموانئ والحقول النفطية.
ورأى أن أنقرة تخطط لبعد إستراتيجي بفرض واقع عسكري على الأرض، يبقي حكومة السراج في مأمن حتى لو تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واتخذ موقفا أكثر ليونة أو تحالفا مع المؤسسة العسكرية الليبية.
ولفت إلى تصريح أردوغان الذي أشار إلى أن "صمود الاتفاق البحري"، وهو شأن قومي واستراتيجي لتركيا من "صمود حكومة الوفاق (السراج) نفسها".
ومن جانبه، اعتبر مرعاش أن حديث أوغلو عن سرت والجفرة "يكشف نوايا أنقرة في السيطرة على منطقة الهلال النفطي والحقول النفطية في حوض سرت والسرير، حيث يوجد 70 بالمئة من إنتاج النفط والغاز في ليبيا".
وقال مرعاش إن أنقرة تسعى من وراء السيطرة على هذه المنطقة إلى كسب ورقة مهمة للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي، في نزاعها على نفط وغاز شرق المتوسط.
تركيا والاغتيالات في ليبيا
وحذر مرعاش من قدرة تركيا على التصرف كيفما تشاء داخل حكومة السراج، وقد "تسعى لإحداث انقلاب فيها حتى ولو بالاغتيالات إذا حادت عما ترسمه أنقرة".
وأضاف أن الأتراك "قد يلجأون إلى تسليط بعض الميليشيات في طرابلس على أي تيار يشكل خطورة على طموحات أردوغان في ليبيا".
وكان أردوغان قد أبرم مع السراج اتفاقين في أواخر نوفمبر الماضي، الأول يهدف إلى ترسيم الحدود البحرين بين ليبيا وتركيا، والثاني عسكري أمني.
وبدا أن الرئيس التركي يريد من الاتفاق الأول السيطرة على الحقول الغنية بالنفط في مياه المتوسط، رغم أن بعضا منها يعود لقبرص واليونان، ولاقى هذا الاتفاق تنديدا إقليميا ودوليا.
وسعى الاتفاق الثاني، كما يقول، إلى تقديم دعم لحكومة الوفاق، لكنه يعطي أنقرة عمليا موطئ قدم جنوبي المتوسط، وموقعا جديدا للنفوذ والسيطرة، في نوايا أعلنت عنها تركيا الساعية إلى استخدام قاعدتين إستراتيجيتين في ليبيا.