قال مصدر مطلع على سير المفاوضات الجارية حاليا بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية إن تشظي الحركات المسلحة يشكل أكبر عقبة أمام حسم واستدامة ملف الترتيبات الأمنية الذي يعتبر أحد أبرز أعمدة مفاوضات السلام السودانية الجارية حاليا بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية.
وأشار المصدر إلى أن هنالك اتجاه قوي لصياغة خطوط عريضة حول الترتيبات الأمنية مع تأجيل مناقشة الجداول والتفاصيل إلى مرحلة ما بعد اتفاق السلام المقرر توقيعه بين الطرفين الأسبوع المقبل بحسب تصريحات توت قلواك المستشار الأمني لرئيس دولة جنوب السودان.
يأتي هذا فيما تحولت الحكومة الانتقالية السودانية إلى حكومة تصريف أعمال بعد حلها الخميس، تمهيدا لتشكيل حكومة جديدة تستوعب مكونات الجبهة الثورية بعد توقيع الاتفاق الذي يمنح الأخيرة 4 حقائب وزارية و3 مقاعد في مجلس السيادة.
الترتيبات الامنية.. قضية معقدة
وأوضح الخبير الاستراتيجي أمين اسماعيل لسكاي نيوز عربية أن ملف الترتيبات الأمنية يحتاج إلى المزيد من الوقت ويصعب حسمه خلال أيام نظرا لأنه يشكل أحد أهم أعمدة العملية التفاوضية والتعقيدات الكثيرة المحيطة به خصوصا فيما يتعلق بعمليات الدمج والتسريح وحقوق بعض الفرق.
وتقاتل الحركات المسلحة السودانية منذ 2003 في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
ويرى البعض أن عوامل مثل غياب حركة عبد الواحد نور، والخلافات العميقة التي برزت مؤخرا مع الحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو حول علاقة الدين بالدولة، ونزعة بعض الحركات نحو المحاصصة، قد يشكل عقبات أمام صمود أي اتفاق قد يتم التوصل إليه.
أهداف مشتركة
لكن آخرون يرون أن وجود قواسم وأهداف مشتركة بين تلك الحركات وقوى الثورة التي أطاحت نظام عمر البشير في أبريل الماضي، إضافة إلى قرب حكومة جنوب السودان من معظم تلك الحركات، والزخم الدولي والإقليمي الذي باتت تحظى به القضايا السودانية بعد نجاح الثورة، تشكل فرصة لتحقيق ما فشلت فيه جولات سابقة من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي عقدها نظام البشير الذي كان سببا مباشرا في تأجيج العديد من المشكلات التي دفعت الحركات لرفع السلاح.
وعلى الرغم من التباينات النسبية بين الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، في الرؤية المتعلقة بتعريف جذور الأزمة التي دفعتها لحمل السلاح والقتال ضد نظام البشير، فإن هناك جوانب رئيسية تجتمع حولها تلك الحركات، إضافة إلى معظم قطاعات الشعب السوداني التي قادت ثورة ديسمبر 2018 وما تلاها من إطاحة بنظام عمر البشير الذي حكم البلاد ثلاثين عاما خلال الفترة من 1989 وحتى 2019.
ومن أجل ضمان استدامة أي خطوة للسلام في السودان، يشترط مراقبون ضرورة إدارة التنوع الديني والأيديولوجي وتحقيق العدالة الاجتماعية وإعلاء مبدأ المواطنة وانتهاج الديمقراطية كنظام للحكم، إضافة إلى إقامة جيش وطني موحد يعمل وفقا لعقيدة عسكرية صارمة ولا يخضع للتجاذبات السياسية.
وتأتي أهمية هذه الحوانب انطلاقا من الطبيعة الخاصة التي يتميز بها السودان، إذ تعيش فيه أكثر من 500 قبيلة ومجموعة إثنية تتحدث أكثر من 150 لغة.
84 فصيلا مسلحا
وتواجه الترتيبات الأمنية عقبة كبيرة تتمثل في تشظي الحركات المسلحة. وتشير تقارير إلى أن عدد الحركات المسلحة في منطقة دارفور وحدها تبلغ 84 حركة لكن معظمها حركات صغيرة ومنشقة من حركات رئيسية وليست لها وزن عسكري أو سياسي كبير.
ومن أبرز الحركات الدارفورية حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور التي تشكل غيابا بارزا في هذه المفاوضات حيث تقول إن العملية الحالية لن تأتي بالسلام المنشود الذي يخاطب جذور الأزمة، ولا يقوم على المحاصصات وتقسيم المناصب.
وتأسست حركة جيش تحرير السودان عام 2001، بعد شعور عدد من أبناء دارفور بالظلم نتيجة الهجمات المسلحة التي كانت تشنها عليهم مجموعات قبلية مدعومة عسكريا ولوجستيا من نظام البشير.
وفي عام 2004، انشقت الحركة إلى فصيلين، أحدهما جيش تحرير السودان بقيادة نور، والآخر بقيادة مني مركي مناوي.
وتبرز أيضا حركة العدل والمساواة، التي تأسست في 2001 بقيادة خليل إبراهيم، الوزير السابق في حكومة البشير وشقيق الرئيس الحالي للحركة جبريل إبراهيم.
وأحدثت الحركة اختراقا كبيرا في عام 2008 عندما دخلت قواتها إلى أم درمان، إحدى مدن العاصمة المثلثة.
وشهدت الحركة انشقاقات عديدة خلال السنوات الماضية، ويعتقد أنها كانت تتلقى دعما مباشرا من بعض المجموعات المنتمية للمؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي.
وفي النيل الأزرق وجبال النوبة شهدت الحركة الشعبية شمال أيضا انشقاقا بعد انقسامها إلى جناحين أحدهما بقيادة عبد العزيز الحلو والآخر بقيادة مالك عقار.
وتقاتل الحركة الشعبية جناح الحلو في منطقة جبال النوبة، ويعتبر الحلو من أكثر المقربين لجوبا، وعمل في السابق بشكل وثيق مع الراحل جون قرنق الذي قاد الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل انفصال الجنوب.
أما جناح عقار فيقاتل في النيل الأزرق ويحظى بشعبية واسعة من أهالي المناطق المتاخمة للحدود الإثيوبية.