منذ العام 2003 ارتبطت منطقة دارفور بغرب السودان بقصص الحرب وفظائع القتل والحرق والدمار والتشريد، مما رسم صورة قاتمة عن تلك المنطقة التي ارتكبت ضد إنسانها جرائم أصبح بموجبها الرئيس المعزول عمر البشير ونحو 50 من مساعديه ملاحقين من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
هذه الصورة وغيرها مشهد حضاري لفت أنظار العالم أجمع عندما نقلت وسائل الإعلام والقنوات العالمية صور الاعتصام السلمي الذي نظمه في الأسبوع الرابع من يونيو الآلاف من سكان منطقة نيرتتي ذات الطبيعة الخلابة والواقعة غرب جبل مرة أحد أجمل وأهم المناطق السياحية في السودان.
وينظر السودانيون بالكثير من التفاؤل لتجربة أهالي نيرتتي باعتبارها رسالة مباشرة الحكومة والحركات المسلحة، مفادها أن إنسان المنطقة يريد سلاما يحميه من التفلتات اليومية التي يتعرض لها بسبب الظروف التي أوجدتها الحرب المشتعلة لقرابة الستة عشر عاما.
ويقول الإعلامي موسى داؤود لـ"سكاي نيوز عربية": "إنها بالفعل رسالة بليغة ومحرجة تعبر عن مدى الضرر الذي أصاب سكان المنطقة الذين يرفضون الانجرار نحو العنف ويريدون حياة آمنة ومستقرة.
وخلال الأيام الماضية، نظمت مختلف المدن السودانية وعلى رأسها العاصمة الخرطوم عدد من الوقفات التضامنية مع أهل نيرتتي، فعلى الرغم من أن المطالب التي رفعوها تشابه إلى حد كبير المشكلات اليومية والحياتية التي تعاني منها معظم مناطق السودان، إلا أن تجاوب السودانيين مع أهل نيرتتي كان كبيرا جدا لأسباب يتعلق بعضها بالشعور بالظلم الذي عانته المنطقة بسبب الحروب التي استمرت قرابة السنة عشر عاما وألحقت بسكانها خسائر مادية وبشرية كبيرة.
وتعتبر نيرتتي واحدة من أجمل مناطق السودان على الإطلاق، لكنها كانت إحدى أبرز المناطق المتأثرة بالحرب وتعرض أهلها للكثير من التضييق والتهميش وأعمال السلب والنهب الأمر الذي أثر بشكل كبير على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
وكانت نيرتتي قبل الحرب تشكل وجهة سياحية مهمة نظرا لما تتمتع به من مقومات طبيعية عالية. واشتق "نيرتتي" من مفردة ترتبط بجمال الطبيعة في لغة قبيلة الفور، وتعني تحديدا المنطقة الممطرة ذات الطبيعة الجميلة أو السلسلة الغابية أو الجبلية المترابطة.
ويقول أحمد فضل ابن المنطقة ورئيس القطاع السياسي بحزب التحرير والعدالة القومي إن اعتصام أهل المنطقة بهذا الشكل الحضاري اللافت يؤكد الحاجة لإرساء ثقافة السلام والبعد عن الحرب والاقتتال الذي كان خصما على التنمية وأحدث شرخا في النسيج الاجتماعي.
ويشير فضل إلى أن سكان منطقة نيرتتي عرفوا منذ زمن بعيد حياة الاستقرار إلى أن اندلعت الحرب في 2003 وشردت الآلاف منهم، لذلك ليس من المستغرب أن يظهروا بهذا المظهر الحضاري الذي ظهروا به خلال فترة الاعتصام والذي يعطي الأمل في الاستفادة من الظروف الحالية لتحقيق سلام مستدام ينهي المعاناة الحالية ويمكن من استثمار الموارد السياحية والزراعية والمعدنية الضخمة التي تزخر بها المنطقة وبالتالي تحسين حياة المواطن والإسهام في الناتج الوطني.