يُسابق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الزمن من أجل تنفيذ سياسة بلاده الخارجية، بتحويل البوصلة من الغرب نحو الشرق، بعد فشل أنقرة بالحصول على مكاسب من وراء سعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ابتداءً من استغلال قضايا العمالة التركية في دول الاتحاد، فضلاً عن ملف الهجرة، وليس انتهاءً عند زيادة الاستثمارات الأوروبية في تركيا.
لا يدخر أردوغان جهداً من أجل تنفيذ سياسة التواجد شرقاً، وتحقيق أحلامه التوسعية، مستغلاً الوضع الحالي وانشغال العالم بأزمة فيروس كورونا، حيث يواصل أردوغان، أطماعه في الشرق الأوسط بشكل استفزازي، وما العملية العسكرية شمال العراق، تحت مسمى "المخلب النمر"، إلا واحدة من مغامراته في المنطقة؛ بزعم استهداف عناصر حزب العمال الكردستاني.
وبعد أن تورط في سوريا وليبيا ودول أخرى، يفتح أردوغان، جبهة جديدة في العراق. والوجهة هذه المرة في دولة غنية بمواردها الطبيعية وفي مقدمتها النفط.
يرى مراقبون، أن أردوغان يعيش اليوم ما يعرف بـ"عقدة موسوليني"، باستحضاره العقدة التاريخية العثمانية، كما الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني، الذي دعم فكرة إعادة مجد الإمبراطورية الرومانية القديمة، وسعى لتوسيع مناطق نفوذ إيطاليا آنذاك، فكان نصيبه الفشل الذريع.
الاحتلال المائي
بداية من سوريا والعراق ووصولاً إلى ليبيا، يبرز التواجد التركي التخريبي، بوضوح للعيان في كل تلك الأزمات، فإن لم ترسل أنقرة قواتها إلى مناطق الصراعات، فالأموال والأسلحة تكون بديلاً حاضراً بقوة.
في السياق، اعتبر الباحث والمفكر السياسي أحمد الياسري في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن التدخل التركي في الشأن العراقي، بدعوى ملاحقة الأكراد وحزب العمال الكردستاني، لا يختلف كثيراً عن التدخل في سوريا وليبيا؛ فالمبررات والمزاعم الأردوغانية حاضرة، دعم حكومة الوفاق وميليشياتها، المناهضة للجيش الوطني الليبي، وأخرى في سوريا بدعوى مقاومة الأكراد وحماية الأمن القومي.
الباحث الياسري، يُشير إلى أن أردوغان يحاول استغلال حالة الانقسام في العراق وإيجاد موطئ قدم ثابت، من أجل ضم مدينة الموصل أو أجزاءً منها، المدينة التي تفتح شهية تركيا لإرثها العثماني، والتحكم بموارد المياه، مشدداً على أن أردوغان يسعى إلى "احتلال مائي" للعراق. ويضيف أن ما يعزز ذلك هو ضعف المفاوض العراقي.
إعادة إحياء "داعش"
تسعى أنقرة منذ فترة ليست بالقصيرة إلى إعادة إحياء تنظيم "داعش" الإرهابي في مناطق التوتر والأزمات، وفي أغلب الدول التي تواجدت فيها عمدت إلى نفس الأسلوب؛ لتحقيق الأهداف التخريبية في تلك الدول.
يقول الباحث والمفكر أحمد الياسري، إن استنهاض الحركات المتطرفة في سوريا، كانت له نتائج إيجابية لأنقرة، عندما صنعت عدواً استنزف الإمكانيات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، لتمضي بعدها أنقرة لتنفيذ عملياتها العسكرية "درع الفرات" و"غصن الزيتون" ضد الأكراد في سوريا.
ويضيف، بالتالي فإعادة إحياء داعش في العراق، سيحقق لأنقرة ما تسعى له من نفوذ ومبرر بالتدخل في ذلك البلد؛ فورقة داعش لا تحتاج لجهد كبير، حيث سبق لهذا التنظيم الإرهابي التواجد والسيطرة على الموصل والمناطق الغربية من العراق، كما أن لدى أنقرة أدواتها، التي تحرك هذا التنظيم وغيره من التنظيمات المتطرفة كتنظيم الأخوان.
سياسة "تصدير" المشاكل الداخلية
وبدل سياسة "صفر مشاكل" التي كانت سائدة في تركيا، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، يُطبق أردوغان، اليوم، سياسة الهروب من المشاكل الداخلية وما خلفته أزمة فيروس كورونا من انعكاسات خطيرة على الاقتصاد التركي.
ولتجاوز الكارثة الاقتصادية الوشيكة، تبدو الخيارات أمام أردوغان محدودة جداً، حيث تتعدد أوجه تلك الأزمة، بدءاً من عدم استقرار العملة، ومروراً بالارتفاع المهول في البطالة ووصولاً إلى انهيار القطاع السياحي، الذي يُعد عصب النشاط الاقتصادي التركي، وبالتالي زيادة الديون المتراكمة بالعملات الأجنبية على القطاع الخاص.