أثارت مقاطع فيديو تظهر اعتداء دمويا نفذه نحو 30 شخصا، مساء الأربعاء، على طبيب وعدد من الكوادر الصحية في مستشفى مدينة أم درمان، جدلا كبيرا بشأن الاعتداءات المتكررة التي تتعرض لها الكوادر الطبية في السودان.
وتبذل تلك الكوادر جهودا كبيرة للتصدي لجائحة كورونا في ظل الظروف القاسية التي تعيشها المستشفيات، إلا أن الواقعة الجديدة فتحت الباب واسعا أمام عدد من الأسئلة والتفسيرات المتعلقة بطبيعة ودوافع تلك الاعتداءات.
ومنذ ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا في السودان، في فبراير الماضي، رصدت "سكاي نيوز عربية" أكثر من 10 حالات اعتداء كبيرة تعرض لها أطباء وعاملون في الحقل الصحي، وبعض تلك الاعتداءات كانت داخل مستشفيات، والبعض الآخر عند نقاط تفتيش أمنية.
وبعد دقائق من حادثة مستشفى أم درمان، الضلع الثالث للعاصمة السودانية الخرطوم، نشر العديد من الناشطون السودانيون مقاطع مصورة تقارن بين حالة الاحتفاء الكبيرة بالكوادر الصحية في مختلف أنحاء العالم، تقديرا للدور الذي تلعبه في التصدي لجائحة كورونا، وصور الاعتداءات البشعة المتكررة، التي تتعرض لها الكوادر الصحية في السودان.
وفيما اعتبر البعض تلك الاعتداءات عمل ممنهج، يأتي ضمن الحملة الشرسة التي تقودها "الثورة المضادة" لخلق فوضى عارمة يتسلل من خلالها عناصر النظام السابق للواجهة مرة أخرى، يرى آخرون أن تكرار الاعتداءات يعود إلى جهل بعض مرافقي المرضى، وغياب سلطة الردع، رغم وجود عدد من القوانين الصريحة التي تجرم تلك الاعتداءات، وتفرض عقوبات رادعة على مرتكبيها.
ظروف صعبة
في ظل تسارع انتشار جائحة كورونا، والنقص الحاد في الكوادر الصحية، والتردي في أوضاع كثير من المستشفيات السودانية بسبب ما حل بالقطاع الصحي خلال فترة حكم نظام الرئيس السابق عمر البشير، يعمل العدد القليل المتوافر من الأطباء والكوادر الصحية ساعات طويلة، قد تمتد لأيام، تتخللها فترات راحة قصيرة يقضونها داخل المستشفيات بعيدا عن أسرهم وبيوتهم.
لكن هذا ليس الهاجس الأكبر بالنسبة للكثير من الأطباء مثل الفاتح عمر السيد، عضو نقابة أطباء السودان الشرعية، بل الهاجس ما تتعرض له الكوادر الصحية من اعتداءات جسدية ونفسية، تهدف في المقام الأول لتدمير ما تبقى من النظام الصحي، وبالتالي إدخال البلاد في فوضى عارمة.
ويرى السيد أن الاعتداء على الأطباء يأتي في سياق حملة قديمة ظلت تنفذها جماعات ما يسمى بـ"الإسلام السياسي" منذ استيلائها على السلطة عام 1989، إدراكا منها أن الأطباء ظلوا منذ الاستقلال يشاركون بشكل فاعل ورئيسي في العمل النقابي المناهض للديكتاتوريات.
وهو ما دفع النظام السابق للقيام بحملات وأعمال ممنهجة لوأد العمل النقابي وتهميش دور الأطباء بأي ثمن، بما في ذلك تدمير مجمل القطاع الصحي، وهو ما برز من خلال الإهمال الواضح للمستشفيات والبنية الصحية طوال 30 عاما.
ويتهم عمر بعض الدوائر بالتواطؤ مع الحملة المنظمة التي يتعرض لها الأطباء في ظل هذه الظروف الحرجة. ويبرر اتهامه بالقول 'إذا افترضنا جدلا بأن الثلاثين الذين اعتدوا على الكوادر الصحية في مستشفى أم درمان هم من مرافقي المريض، فأين دور الأجهزة الأمنية"؟
موقف الأطباء
وتواصلت "سكاي نيوز عربية" مع عدد من الأطباء الذين تعرضوا لاعتداءات في السابق، وعبروا عن اعتقادهم بأن إجراءات الحماية الأمنية للكوادر الصحية في المستشفيات لا تزال تشوبها عيوب كبيرة مما يسبب مزيدا من الضغط في ظل هذه الظروف.
ووفقا لنهاد عبدالوهاب وردي، وهي طبيبة شابة تعرضت للاعتداء في أحد مستشفيات الخرطوم، فإنها تنتظر استكمال الإجراءات القانونية ضد المعتدية عليها، لكنها غير راضية عن مستوى الحماية الأمنية في ظل شعور الكثيرين بالخوف من التعرض للاعتداء في أي وقت.
وتلفت سارة بدوي الطبيبة والإدارية في مستشفى أم درمان، التي كانت ضمن الفريق الذي تعرض للاعتداء الأربعاء، إلى أن الأطباء والكوادر الصحية يقدرون تماما معاناة المرضى ومرافقيهم في ظل تدهور النظام الصحي الموروث من النظام السابق.
لكنها تعبر عن استغرابها من طريقة تعامل الأجهزة الأمنية مع مثل هذه الحوادث.
تجمع المهنيين
وبدا موقف تجمع المهنيين السودانيين متسقا إلى حد بعيد مع رأي الشارع والأطباء المعتدى عليهم، واستهجن التجمع في بيان، الخميس، حادثة الاعتداء الأخيرة على الأطباء بمستشفى أم درمان، وقبله في أماكن شتّى من البلاد.
واعتبر البيان أن استمرار الاعتداء على الكوادر الطبية والصحية لا بد أن يُقابل بالحزم الشديد، مطالبا بعدم التهاون مُطلقاً مع أولئك الذين يبطشون بالكوادر الطبية والصحية، الذين يعملون في ظروف صعبة للغاية زادت وطأتها في ظل تفشي فيروس "كورونا" المستجد.
كما جدد التجمع مطالبته بضرورة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والشرطية، بما يتماشى مع اهداف ثورة ديسمبر.
الشرطة توضح
وبعد مرور قرابة 24 ساعة على حادثة مستشفى أم درمان الأخيرة، أصدرت رئاسة قوات الشرطة السودانية تعميما عبرت فيه عن أسفها للحادث، وتعهدت بتعزيز قوة الشرطة بالمستشفيات الكبرى وأقسام الحوادث والطوارئ، مع وجود قيادة برتبة مناسبة.
وحول ملابسات ووقائع الحادث أشارت إلى أنه تم القبض على المتهمين، وعددهم 8، حيث وجهت بحقهم بلاغات جنائية، وبلاغات مخالفة أمر الطوارئ الصحية، وتم تقديم المتهمين للعدالة.
وأكدت قوات الشرطة أنها ستعمل على إنفاذ القانون، وتهيب بالمواطنين لا سيما ذوي المرضى والمرافقين خلال هذه الظروف الاستثنائية، الانصياع لتوجيهات الكوادر الطبية وعدم التعدي على الأشخاص والممتلكات، مما يعرض المعتدي للمساءلة القانونية.