لم يتوقف الجدل في الأوساط السياسية التونسية حول زيارة رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي إلى تركيا ولقائه بالرئيس رجب طيب أردوغان، وبرغم أن الغنوشي قد خضع لمساءلة برلمانية غير أن جدلاً تونسياً يتصاعد حول الهوية السياسية في تونس.

تونس التي شهدت تحولاً سياسياً منذ اندلاع ما يسمى ثورة الياسمين في 2011 والتي أدت لإسقاط نظام زين العابدين بن علي عرفت منعطفات سياسية متعددة خلال السنوات العشرة الماضية وضعت تونس كمعيار من معايير مستقبل المنطقة نظير ما يمثله هذا البلد من خصوصية سياسية في العالم العربي.

أخبار ذات صلة

بعد الزيارة المشبوهة.. استجواب برلماني "لاذع" للغنوشي

لم يكن إسقاط البرلمان التونسي لحكومة الحبيب الجملي وقبلها قانون الزكاة غير تأكيد على حدة التنازع حول الهوية السياسية لهذا البلد الذي يراه كثير من المراقبين بأنه مؤشر لمستقبل البلدان التي شهدت اضطرابات سياسية حادة خلال السنوات الماضية.

تونس البورقيبية

تنظر تونس إلى الحبيب بورقيبة على أنه المؤسس للدولة الحديثة بعد أن وضع البلاد في طريق سياسي يعتمد على الليبرالية من خلال دستور وطني اعتمد على منح الحقوق المدنية لكافة الشرائح المجتمعية.

بورقيبة كان له خطاباً سياسياً ينسجم أكثر فأكثر مع متطلبات التطور، لمختلف قطاعات المجتمع التونسي، ومن المعلوم تاريخياً أن الحركة السياسية التونسية، لم تكن حركة تحرر سياسي فقط، بل كانت تمتلك برنامجاً خاصاً للعمل في المجالين الثقافي والاجتماعي مستندة في ذلك إلى تراث الحركة الإصلاحية التحديثية في تونس منذ عهد خير الدين التونسي، ورائد تحرير المرأة العربية التونسية الطاهر الحداد الذي جوبه بعداء شديد من جانب المؤسسة الزيتونية التقليدية، والفئات الاجتماعية المحافظة، والقيم والمبادئ المتخلفة في المجتمع التقليدي.

الحبيب بورقيبة وضع دستور قائم على علمانية الدولة ومن بعده ظلت تونس تشكل نمطية سياسية اعتبرت نموذج فريد في التقدمية حتى أنه مع ما بعد الثورة يظل الشعب التونسي متمسكاً بالدستور.

النهضة كذراع لتنظيم الإخوان

دخلت حركة النهضة ذات التوجه الديني في المعادلة السياسية بعد الثورة وشهدت السنوات صراعاً بينها وبين المجتمع المدني، تبدلت مواقف حركة النهضة في محاولات مستدامة لعدم قطع شعرة معاوية مع النظام السياسي، وحصلت على منصب رئاسة الوزراء كما استطاعت أن تؤثر في قرارات الرئاسة في فترة المنصف المرزوقي.

وككل جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي أبرزت حركة النهضة ما يسمى بالمراجعات الفكرية في محاولة منها لعرض نفسها كحزب سياسي مدني للمنافسة السياسية.

يشدد المراقبين التونسيين أن ظهور حركة النهضة ساهم في تزايد أعداد المتطرفين التوانسة في الجماعات الإرهابية كتنظيم داعش والقاعدة، ويفسر ذلك مدير مركز البحوث والتنمية جلال الورغي بأنه تساهل من حركة النهضة أسهم في ظهور هذه الأعداد من المتطرفين.

المطرقة بيد الغنوشي

أنتجت الانتخابات التونسية ما بعد الرئيس الراحل السبسي خارطة مختلفة في المشهد السياسي التونسي، الأغلبية الطفيفة لحركة النهضة أوصلت رئيسها راشد الغنوشي رئيساً للبرلمان، وحاولت النهضة تمرير حكومة موالية لها لم تنجح في أن تحصل على ثقة نواب الشعب.

فيما يخشى التونسيين من تغيير على دستورهم ومستقبلهم السياسي تبدو القوى السياسية الليبرالية قادرة على المحافظة بما تحقق للبلاد من مكاسب على مدار عقود مضت، ومع ذلك تثير زسارة الغنوشي إلى تركيا ولقائه بالرئيس أردوغان مخاوف على المستقبل التونسي.

تونس .. أبعاد صراع الهوية

الصراع القائم بين القوى السياسية ينعكس على الوضع الاقتصادي الذي يبقى العامل المؤثر على معيشة الأفراد، وفيما يتمسك الشعب بالدولة الوطنية ومكاسبه سيظل الصراع بين قوى الإسلام السياسي والمجتمع المدني الأكثر ضغطاً على الحياة الاقتصادية.

الصراع السياسي التونسي ينتظر أن يحظى بتغذية مباشرة من الرئيس التركي أردوغان ويضاف إلى ذلك فإن تأثير الأزمة الليبية ستشكل أيضاً ضغطاً على الأوضاع السياسية التونسية.

 بين هذا وذاك سيتعين على القوى الوطنية تعزيز خطاب الدولة المدنية وحماية الدستور وإعادة تقييم المرحلة السياسية الأخيرة لردم الحفر التي تسلل منها تنظيم الإخوان المسلمين وأغرق تونس في المزيد من الإخفاق الاقتصادي الذي كان السبب المباشر في الثورة على نظام زين العابدين بن علي.