غريب هو ذلك الشعور حين تزور معرضا، لكنك لا تقف أمام لوحة، بل أمام حجر. أطنان من حجارة البيوت المهدمة في سوريا نُقلت إلى مدينة ليون الفرنسية لتُشكل معرضا فنيا فريدا يتجاوز آثار الحرب، ويحولها إلى قصص جمال يرسمها الأطفال.
ويروي الفنان السوري عمار عبد ربه لسكاي نيوز عربية، كيف أن رحلة الحجارة من تحت الركام إلى هذا المعرض الفرنسي جرت أمام دهشة القائمين على نقطة الجمارك في مدينة مرسيليا جنوبي فرنسا، حيث كانوا يتساءلون عن هدف نقل مجرد حجارة من الشرق الأوسط إلى فرنسا؟
وأمام شرح المعنيين بالمعرض قصة العمل الفني لعمال الجمارك أفرج هؤلاء عن الحجارة بعد تفتيش دقيق.
بعض الحجارة المستخدمة في العرض تحمل آثار رصاص أو بقايا شعارات رسمت على جدران المنازل في عدة مناطق في سوريا.
وقد قام نحات فرنسي، يدعى أرنو بوتييه، بتحضير الحجارة وتركيبها على أعمدة من الحديد الصلب تتخللها مرايا، لتستخدم تلك الأعمدة كمنصات العرض الضوئي الذي يرسم تفاصيل القصة على الحجر.
"رسالة مزدوجة"
صمم العرض وهو برعاية اللبناني أنطون صحناوي، فنان فرنسي يدعى إيتيان غيول، ونفذه عشرات الفنيين المختصين بالإضاءة وبتوزيع نقاط البث الصوتي على منصات العمل لتعمل كل منها، بما يتناسب مع حركة الصورة.
ويقارب طول كل منصة خمسة أمتار، وعرضها متر و50 سنتيمترا، ويبلغ وزن كل منها طنا و20 كيلوغراما، أما طوله فيبلغ 22 مترا، وعرضه 12 مترا، وهو مصمم ليتجول الزائر داخله. كما يبلغ وزنه الإجمالي مع قاعدته الحديدية 70 طنا.
ويقول عبد ربه إن للعمل "رسالة مزدوجة". فمن جهة يلفت النظر إلى ضرورة حماية الأطفال من مآسي الحروب، ومن جهة أخرى يلفت النظر إلى قضية اللاجئين السوريين، مضيفا أن "أي شخص في العالم قد يكون لاجئا".
ويتابع عبد ربه: "من كان ليصدق أننا سنسمع يوما أن أناسا سيذهبون من حلب إلى برلين مشيا على الأقدام؟ أمر مهول وقع... ربما لم نستوعبه حينها... لكن لا بد من توثيقه عبر أعمال فنية".
من الفرح إلى الحرب
يبدأ العرض بصور أطفال يرقصون على إيقاع فرح، ثم ما يلبث أن يتلاشى وسط ضجيج المعارك التي لا يسمع صخبها بشكل مباشر، وإنما عبر نغمات يتداخل فيها صوت العود مع ضربات الطبل، وهو خيار فني صاغه الموسيقي السوري اللاجئ وائل القاق في جمل موسيقية ألفت خصيصا للعمل.
بعد ذلك، يأخذ العرض الزائر إلى مرحلة جديدة، هي ترجمة بصرية لرحلة اللجوء. وخلالها، تتنقل صور الأطفال من عمود حجري إلى آخر. ثم يزداد تباعا عدد الأطفال اللاجئين بالتوازي مع تصاعد الإيقاع الموسيقي.
ويعتمد العرض على تقنية الرسوم المتحركة، حيث تم تصوير عشرات الأطفال اللاجئين لعدة ساعات، ثم جرى تحويل هذا الفيديو إلى رسوم لا تظهر فيها ملامح الأطفال الدقيقة، لكي يجسد الرسم معاناة أي طفل في العالم بغض النظر عن جنسيته.
المرحلة الأخيرة من هذا العمل الفني هي مرحلة عرض رسومات نحو 70 طفلا على المنصات الحجرية بدقة عالية. بيوت ملونة ترتسم على حجارة المنازل المهدمة، في إشارة إلى أن الأمل باق ما دام الأطفال قادرين على الحلم.