عام بعد آخر، تتكرر مشكلات بل وتتفاقم، لتزيد حياة العراقيين صعوبة وتعقيدا، وتدفعهم إلى نقطة الغليان التي فجرت تظاهرات في مختلف أنحاء البلاد، برز خلالها أبناء الجنوب، الذين طفح بهم الكيل بعد أن أدركوا خبث الدور الإيراني وأياديه العابثة بمجريات حياتهم اليومية وأبسط حقوقهم.

ومنذ أكثر من 10 أيام، لا تزال شرارة "الموجة الثانية" من التظاهرات مستمرة، لكن المثير للانتباه، هو حجم الاحتجاجات التي شهدتها محافظات الجنوب، التي خرجت ضد إيران، المرتبطة بشكل أو بآخر بالأزمات المتعاقبة التي تشهدها البلاد، في إشارة واضحة على خسارة نظام الملالي لما اعتبره "حاضنة طبيعية" له في العراق.

ويتهم العراقيون النظام في البلاد بالفساد والرضوخ للقوى الأجنبية مثل إيران، التي تدعم عن كثب الحكومة والميليشيات المسلحة.

ووصل حد سخطهم إلى محاصرة القنصلية الإيرانية في كربلاء، وإزالة العلم الإيراني واستبداله بالعراقي، ومحاولة حرقها.

وبالتمعن قليلا في حال محافظات الجنوب العراقي، تبدو أسباب هذا السخط واضحة، يمكن تلخيصها بـ5 عوامل، ترتبط جميعها بشكل أو بآخر بإيران.

الكهرباء

مع مرور السنوات، يأمل العراقيون ألا يحل موسم الصيف إلا وقد وجدت الحكومة مخرجا من أزمة الكهرباء، التي تنقطع في بعض الأحيان إلى ما يزيد عن 20 ساعة يوميا، لكن الواقع يكشف شيئا آخر تماما.

فأزمة الكهرباء تتفاقم مع مرور الوقت وتزايد أعداد المواطنين واحتياجاتهم، لتصل إلى ذروتها في فصل الصيف، الذي تصل فيه درجات الحرارة إلى نحو 50 درجة مئوية.

وقد خرجت في يونيو الماضي احتجاجات شعبية في بعض محافظات جنوبي العراق، ضد تجدد أزمة الكهرباء، لتشبه إلى حد كبير سابقاتها في 2018، حين قتل وأصيب العشرات.

وتقلصت ساعات تجهيز الكهرباء في أنحاء واسعة من محافظة البصرة الغنية بالنفط، واتسعت الاحتجاجات لتصل إلى محافظات جنوبية أخرى مثل ذي قار والديوانية وميسان.

وعلى مدى السنوات الماضية، تعاقب وزراء عديدون لإدارة ملف الطاقة، وتم توقيع الكثير من العقود الاستثمارية للنهوض بهذا القطاع، لكن دون تحسن فعلي.

وتشير تقارير نشرتها وسائل إعلام محلية في مايو 2018، إلى أن الحكومات المتعاقبة خلال الـ15 سنة الماضية صرفت ما يزيد عن 50 مليار دولار على ملف الكهرباء، ورغم هذا يكفي إنتاج الطاقة الحالي نحو 40 بالمئة فقط من الاحتياج الفعلي.

ولعل أبرز العوامل التي لعبت دورا في "مأساة الكهرباء" العراقية، هي قطع إيران إمداداتها في 2018، التي تقدر بنحو ألف ميغاوات يوميا.

وحينها، أوضح المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، مصعب المدرس، أن الخطوة الإيرانية تسببت في زيادة ساعات قطع التيار الكهربائي في محافظات ذي قار وميسان والبصرة جنوبي البلاد.

يشار إلى أن إيران تورد غازا يكفي لتوليد 2500 ميغاوات، فضلا عن تزويد العراق بإمدادات مباشرة من الكهرباء حجمها 1200 ميغاوات.

وذكر وزير الكهرباء العراقي لؤي الخطيب في سبتمبر الماضي، أن العراق يملك حاليا طاقة إنتاجية قدرها 18 ألف ميغاوات، لكنها تظل دون مستوى الطلب في أوقات الذروة، الذي قد يصل إلى نحو 25 ألف ميغاوات ويرتفع كل عام.

وأضاف أن تحديث شبكة الكهرباء في البلاد يحتاج لاستثمارات لا تقل عن 30 مليار دولار، إذ أن عمرها 50 عاما وفقدت 25 بالمئة من طاقتها بسبب هجمات تنظيم داعش الإرهابي.

أخبار ذات صلة

العراق.. كيف وجه المحتجون رسائل واضحة للنظام الإيراني؟
حملوه في وضعية صعبة.. بطولة متظاهرين عراقيين مع زميل مصاب

المياه

يواجه العراق مشكلة حقيقية تهدد أمنه المائي والغذائي، تتمثل في شح مصادر المياه وتفاقم أزمة الجفاف، مما ينعكس على حياة المواطنين اليومية، الصعبة أصلا.

وتشير تقارير محلية، إلى أن هذه الأزمة التي تزداد سوءا يوما بعد يوم، تعود إلى العمل المتعمد التي تنتهجه تركيا وإيران، بعدما أوقفتا تدفق المياه في العراق نتيجة سدود جديدة أقامتاها بمناطق حدودية، أدت إلى تجفيف أنهاره ومصادر المياه فيه، خاصة في محافظة البصرة.

وكانت تركيا قد بدأت في يوليو 2018، ملء سد "إليسو" الذي أنشئ على نهر دجلة، مما انعكس مباشرة على النهر في الجانب العراقي، وأدى إلى انخفاض منسوب مياهه إلى النصف.

ومن جهة أخرى، يعاني نهر شط العرب الذي يغذي البصرة والمحافظات الجنوبية، من وجود بكتيريا تسببت في حالات تسمم، إضافة إلى ارتفاع ملوحة المياه نتيجة إلقاء مخلفات إيرانية في نهر كارون الإيراني المغذي لشط العرب.

ومنذ يونيو 2018، ارتفعت نسبة الملوحة (أو ما يعرف بالمد الملحي) القادمة من الخليج العربي إلى شمال نهر شط العرب، وهو مصدر المياه الوحيد لمحافظة البصرة.

ويتكون شط العرب من التقاء نهري دجلة والفرات شمالي محافظة البصرة، ونتيجة لقراري تركيا وإيران انخفض منسوب المياه في النهر، مما سمح له بزيادة استقبال مياه الخليج العربي المالحة.

ودفعت أزمة شح المياه بسبب تناقص تدفق مياه الأنهار، الحكومة العراقية إلى تقليص المساحة المزروعة من القمح، في أحدث علامة على مدى الكارثة المائية التي تهدد بلاد الرافدين وتؤثر على غذائه بشكل مباشر.

وكان تحقيق استقصائي لرويترز كشف في يوليو 2018 كيف تحولت نينوى، التي كانت توصف في السابق بأنها سلة خبز العراق، إلى أرض جدباء بعد الجفاف وسنوات الحرب.

الثروة السمكية والغذاء

مع تفاقم أزمة المياه في العراق بدأ المزارعون في العديد من القرى، في حفر آبار سعيا وراء البحث عن مصادر أخرى للمياه. وتزايدت الأزمة مؤخرا إثر التضييقات الإيرانية والتركية بتغيير مجرى الروافد المائية.

وكانت وثيقة مسربة من وزارة البيئة العراقية في نوفمبر 2018، قد كشفت عن حقائق صادمة تبين الأضرار الناجمة عن ارتفاع تركيز الأملاح في مياه البصرة التي تسببت فيها قطع إيران لعدة روافد للمياه العذبة القادمة من أراضيها إلى العراق.

وأشارت الوثيقة إلى هلاك أعداد كبيرة من السلاحف، منها ما هو مهدد بالانقراض وفق تصنيف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة.

وقد أدى إلقاء المخلفات الإيرانية في المياه، إلى تمليح مياه بركتي أبو الزركي والطلاع، اللتين تعتبران الممول الرئيسي للطيور المهاجرة في هذا التوقيت من السنة.

كما أكدت الوثيقة، على نفوق مئات الآلاف من الأسماك في المزارع والأقفاص العائمة، فضلا عن هلاك أشجار النخيل والسدر في المحافظة.

وامتدت الخسائر، بحسب الوثيقة التي تحمل توقيع مدير بيئة البصرة أحمد حنون جاسم، إلى نفوق أعداد من الجاموس وإصابة أخرى بالعمى.

ومن خلال الواقع الميداني لحال محافظة البصرة، يتجه المشروع الإيراني لجعلها غير قابلة للسكن، ومن ثم دفع السكان إلى هجرها والإبقاء عليها أرضا نفطية تحت سيطرة طهران.

أخبار ذات صلة

3 قتلى عراقيين بأحداث القنصلية الإيرانية في كربلاء
بصورة.. العراقيون يردون على ادعاءات "الفتنة" الإيرانية
في النجف.. محتجون يزيلون اسم الخميني من شارع رئيسي
العراق.. كيف يحتمي المتظاهرون من "الغاز الفتاك"؟

الفساد

يعد العراق بلدا غنيا بالثروات، إلا ان الواقع الذي يعيشه أهله يظهر غير ذلك، فالفقر منتشر والظروف المعيشية تزداد صعوبة، وذلك كنتيجة مباشرة لانتشار الفساد بشكل كبير.

واحتل العراق المرتبة الثانية عشر في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم، حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية، إذ تفيد التقارير أنه، منذ عام 2003، خسر نحو 450 مليار دولار بسبب الفساد.

ورغم أن حجم احتياطيات النفط في العراق يصل إلى نحو 112 مليار برميل، فإن الفقر يطارد نحو ربع العراقيين، إذ تزيد نسبته عن 22 بالمئة، ويصل في بعض محافظات الجنوب إلى أكثر من 31 بالمئة.

وقد خلقت النفقات المتضخمة أكبر عجز في الموازنة، إذ بلغت هذا العام 23 مليار دولار، ويتوقع أن تزيد عن 30 مليار دولار بحلول عام 2020، بحسب اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي.

ويعاني الاقتصاد العراقي مشكلات أخرى كثيرة، كانعدام الصناعة، وانهيار البنية التحتية، وضعف أداء القطاع الزراعي، والتجاري، وتفاقم المشكلات الأمنية وضعف قطاع القانون.

ووفق تقرير مطول لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى نشر قبل أشهر، فقد قدرت إحدى الدراسات العراقية أن الفساد المالي يستنزف نحو 25 بالمئة من المال العام.

وقبل نحو عام، تناولت وسائل الإعلام العراقية حوالي 800 ملف من الفساد، قيد التحقيق.

وتتفق المصادر الدولية على أن سجل الفساد في العراق ازداد سوءا في العقود الماضية، إذ صنفت منظمة "الشفافية الدولية" العراق في المرتبة 117 من أصل 133 دولة عام 2003، قبل أن يتقهقر لاحقا إلى المرتبة 169 من بين 180 دولة.

وغالبا ما يشير المعلقون السياسيون العراقيون إلى أن السبب الرئيسي للفساد في البلاد هو "الطائفية" وتوزيع المراكز الرسمية أو الحكومية بين الجماعات السياسية والطوائف بموجب ما يعرف بالمحاصصة.

ويتمتع نظام المحاصصة، وفق تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بخصائص سياسية واقتصادية وقانونية تعزز بشكل منهج الفساد وتقويه.

فمن الناحية السياسية، تسمح المحاصصة بسهولة الوصول إلى الحكومة، إلى جانب تخصيص الوظائف لأشخاص من مناصري الأحزاب السياسية في السلطة.

أما من الناحية الاقتصادية، فتكتسب المجموعات السياسية من خلال المحاصصة سهولة الوصول إلى المال العام واحتكار الأنشطة الاقتصادية في السوق، حسب تقرير المعهد.

أخبار ذات صلة

إضراب عام في شرق بغداد.. وقطع طرق رئيسية بالمدينة
بناء مهجور يتحول إلى "إيقونة" للمحتجين في العراق

البطالة

تعد البطالة من أبرز المشكلات التي تواجه العراقيين في محافظات الجنوب الغنية بالنفط، إذ تشكل الموارد النفطية للعراق نحو 89 بالمئة من ميزانيته، لكنها تؤمن واحدا بالمئة من الوظائف في العمالة الوطنية، لأن الشركات الأجنبية العاملة في البلاد تعتمد غالبا على عمالة أجنبية.

وبلغت البطالة مستويات متفاقمة، إذ قدرها الجهاز المركزي للإحصاء في بغداد هذا العام بنحو 23 بالمئة، في حين أعلن صندوق النقد الدولي منتصف العام الماضي أن معدل بطالة الشباب قد بلغ أكثر من 40 بالمئة.

وقال معاون محافظ البصرة السابق، معين الحسن، إن أبناء المحافظة يعانون بشكل كبير من البطالة، كاشفا أن عدد الذين تقدموا بطلبات "التشغيل" (الحصول على عمل) وصل إلى 80 ألف شخص.  

وأضاف لـ"سكاي نيوز عربية": "لدينا في البصرة خريجين كثر من الجامعات، تعاني أعداد كبيرة منهم من عدم وجود دخل شهري".

وأشار الحسن إلى أن أحد أبرز الأسباب وراء ذلك، هو عدم إقبال الشركات النفطية على تعيين أبناء المحافظة الغنية بالنفط.

وتابع: "شركات النفط الاستثمارية تستقطب العمالة الأجنبية، وأبناء المحافظات الأخرى، وقليلا ما تقوم بتوظيف أي من أبناء البصرة".